كل يوم يستوقفني منظر إنساني يستحق الدعم وليس هنالك في الوجود أجمل من لحظة يقضيها الإنسان في انتشال طاقة مهدورة تلعثم بها الزمان فباتت تنتظر موقفاً كريماً وداعماً ودامعاً أيضاً يليق بكل مشاهد الحزن فيها. قبل أشهر استوقفتنا صورة حزينة للنسمة الصغيرة التي كانت تبحث عن يد حانية تنتشلها من أسر الصمم... إنها الطفلة بنت الهدى... كتبت عنها سابقاً ووفقنا لأن نحصل على أيد بيضاء تساعدها في علاجها... وعندما أجرت العملية ونجحت وزرعت القوقعة... رجعت الطفلة... بدأت تسمع ومع كل سمع دمعة تترقرق من عيون أمها السعيدة... وكذلك هي الأيام مع بنت حارس منتخب البحرين التي كانت تعاني من تشوه في الجمجمة وذهبت للعلاج على نفقة تقاسمتها اليد البيضاء المتمثلة في ديوان سمو ولي العهد والأخرى مساهمة من رجل خير إماراتي عُرف بالشهامة والكرم وحب الإنسانية... بعد كتابة كل هذه الموضوعات وغيرها تفاجأت بأعداد كبيرة من الأطفال يعانون من الصمم ويحتاجون إلى زراعة القوقعة، منهم الطفل الجميل «سجاد» وغيره كُثر. لا أخفي عليكم أن هذه الأعمال هي خير من ألف مقال ومقال، ولكنها بحاجة إلى فريق عمل وإلى مؤسسة تعنى بهؤلاء. هؤلاء الأطفال هم في بداية الحياة. ولكن السؤال: من لأصحاب الاحتياجات الخاصة ممن قهروا الحياة بسلاح التفاؤل والتطلع والنجاح؟... مرّت عليّ قصص مؤلمة إحداها للاعب في منتخب البحرين يشارك في دورات لكنه معوق ويعاني من أزمة مالية أو ضعف الراتب وربما لا يعمل الآن على رغم وفرة الكؤوس والميداليات الذهبية التي بين يديه... بعد فترة تفاجأت بوجود طاقات بحرينية تعاني من إعاقة سمعية أو بصرية... وهم مازالوا يعانون من البطالة.

أنا أعلم أن هناك أناساً إنسانيين عند قراءتهم المقال سيراسلوني لتوظيف أمثال هؤلاء... المواطن «علي مهدي علي البصري» شاب في مقتبل العمر عاش حياته كفيفاً، كأن الدنيا في عينه مظلمة، إذ فَقَدَ أغلى جوهرتين عند الإنسان وهما العينان، لكنه لم ييأس بل انخرط في الدراسة وراح يطوي المراحل الدراسية وواصل دراسته حتى الثانوية، ومن ثم أصر على مواصلة دراسته الجامعية على رغم قصر ذات اليد وبؤس الزمن وحصل في سنة 2003 على البكالوريوس في الجامعة تخصص إسلاميات، إذ كان مبتعثاً من قبل وزارة التربية إلى أن تخرج. لكنه (علي) مازال عاطلاً. ويمرّ بحزن ويأمل أن تبتسم له الدنيا بعد كل هذا التعب بعد أن أظلمت في وجهه طيلة حياته... علي طرق كل الأبواب ولكن الأبواب مازالت مغلقة. ويبقى السؤال: هل سيمنحنا وزير من وزرائنا أو تاجر من تجارنا آذانهم ليصغوا إلى الحكاية الحزينة فيوظفوا هذا الشاب الذي يحتاج إلى وقفة كريمة. وقفة تقدير لشاب صارع الحياة بلا نور سوى نور العقل والضمير...

تذكروا عباقرة التاريخ، فلولا إرادتهم ولولا وقفة المجتمع معهم لما كانوا عمالقة بهذا الحجم على رغم إعاقتهم... هل تذكرون «أبوالعلاء المعري»، هذا الشاعر الفيلسوف الكفيف؟... انظروا إليه وهو يردد بعد أن ملأ ذكره الخافقين:

وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم

بإخفاء شمس ضوؤها متكامل

«سقط الزند»

كذلك الشاعر الضرير النابغة بشار بن برد.

يا أبناءنا، يا أصحاب الاحتياجات الخاصة، ابتسموا للحياة، فالدنيا بخير وكل أملنا أن تقف الدولة معكم ببناء مراكز ورعايا خاصة لكم، وأن يقف المجتمع معكم موقفاً شرعياً ووطنياً وإنسانياً ويعطيكم جزءاً من الحقوق تماماً كما فعل أهل الخير فأسسوا «دار الرحمة» وغيرها.

تذكروا أن أديسون المخترع العظيم انتفع بصممه، وأن ديموستنيس، خطيب اليونان البليغ كان ألثغ، وبيرون الشاعر الإنجليزي أحنف القدمين، وإنها القدرة الإلهية أن يصبح بيتهوفن المصاب بالصمم أكبر موسيقار في العالم، ومع صممه ألّف أسمى قطعة موسيقية. وليس غريباً أن يكتشف باستير اكتشافه العلمي العظيم المتعلق بالجدري ولقاحه بعد نوبة سكتة أصابته. وكذلك الحال بالنسبة إلى نيوتن ودانتي وشوبنهور. يا علي، إن عميد الأدب العربي طه حسين كان كفيفاً، وعلى رغم قهر الفقر وغياب البصر فإنه كسرهما وحقق طموحه الكبير في الأدب. أخي علي، إن إبراهام لينكولن... رمز الديمقراطية الأميركية والذي علّم نفسه بنفسه، كان يعيش مع عائلته في كوخٍ خشبي صغير عند طرف الغابة، وإن النبي محمد (ص) كان ابن امرأة كانت تأكل القديد (اللحم المجفف).

إن المجتمع لا ينعدم من إنسانيته، ومن يرد المساهمة لحل مثل هذه الموضوعات أو توفير عمل إلى هؤلاء أو إلى علي مهدي فليرسل إليّ «مسجاً» على الهاتف للتواصل.

دعونا نزرع وردة تفاؤل في عيون أبناءٍ حقهم علينا كبير