العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ

موقوفة مُتَّقين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الأسبوع الرابع من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي قُيـِّضَ لي أن أزور الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمدنها الحيوية الثلاث طهران العاصمة ومدينتي قم ومشهد المقدستين، كانت الزيارة نوعية وحافلة جداً، وزاد من أهميتها ونوعيتها زيارتي لموقوفة مُتّقين وهي عبارة عن مدرسة تؤوي أيتاماً من الجنسين ممن فقدوا كِلا الوالدين بناها أحد المُحسنين قبل ثمانين عاماً، وهي الآن تابعة إلى منظمة الأوقاف والشئون الخيرية الإيرانية أو كما يُسمونها بالفارسية (سازمان أوقاف وأمور خيرية) وهي مُنظمة ضخمة تتبع مباشرة مرشد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي ويُمثله فيها حجة الإسلام الشيخ محمد علي نظام زادة، وتُشرف هذه المنظمة على المئات من الموقوفات والآلاف من الرقبات الوقفية، وتُسيّر أمورها من خلال عوائد الموقوفات والموازنة المُخصصة لها من الموازنة العامة للبلاد، وهي إلى جانب ذلك تهتم أيضاً بمسألة الترويج للثقافة القرآنية ونشر معارفها، ونظّمت منذ العام 1981 ولحد الآن ستة وعشرين دورة للمسابقات القرآنية على صعيد الداخل الإيراني وعشرين دورة للمسابقات القرآنية الدولية (على رغم أنها توقفت عن ذلك بين عامي 1982 و1985 بسبب ظروف الحرب العراقية الإيرانية) كما أنها أنشأت في العام 1989 داراً لإعداد مُعلمي القرآن الكريم ثم تحولت بعد أربع سنوات أو أكثر إلى كلية العلوم القرآنية وتضاعف عدد الكليات في السنوات اللاحقة اذ بلغ 12 كلية منتشرة في أنحاء مختلفة بالجمهورية الإسلامية، ثم أنشأَت بين عامي 1993 و1994 مطبعة ومركزاً لترجمة القرآن الكريم.

أعود إلى موقوفة مُتقين، كان مشهد الأيتام تراجيدياً ومُؤثراً جداً وله وقع غريب على النفس ويُجيّش العواطف بقوة، فمنذ اللحظة التي تقع عيناك فيها على هذا الكم من الأيتام واليتيمات الذين يلبسون الزي نفسه تستحضر باختزال لحظي مُؤلم كل مآسي الحياة، ثم تتساءل: إلى أين يلجأ هؤلاء الأطفال في شدتهم ليشكوا ما يُواجهونه من آلام نفسية وجسدية ومن يُنادون وأي ركن وثيق يضمنهم ويضمهم إليه ويستمع لأمانيهم وتطلعاتهم، أو من ذا الذي سيدلِّلهم كما أقرانهم، ومن يربت على أكتافهم ويمسح رؤوسهم حين يُحملقون في طفل مار بجانبهم وهو يتعلّق بقفطان أمه، إنها فعلاً مأساة حقيقية سيبقى فيها (اليتيم) دمعة على خد الزمن.

كانت وجوه الأطفال تنضح بالبراءة والنعومة الأمر الذي يدفعك إلى أن تتعاطف معهم وتودّ أن تهبهم أي شيء عندك حاضراً، وقد زاد ذلك التعاطف والانحياز الاستثنائي الأعمى عندما أنشدت كوكبة منهم نشيداً بالفارسية لم أفقه كثيراً منه إلاّ أنني وجدت ترجمته في قسمات وجوههم.

ربما جعلني ذلك الحدث أن أتحمس أكثر للتقرب من مسألة اليُتم واليتيم والتي كنت سابقاً أراها ظاهرة اجتماعية كأية ظاهرة لها ما لها من المريدين والقائمين عليها أو لربما يُشفق عليها الزمن بسرعة انقضائه أو أن يقضي الله فيها أمراً كان مفعولا.

قبل أربعة أشهر تقريباً وتحديدا في الثالث عشر من يوليو/ تموز الماضي أصدر المؤتمر الدولي الخاص بمرض فقدان المناعة المكتسبة المنعقد في العاصمة التايلندية (بانكوك) تقريراً أشار فيه إلى: أن وباء الإيدز وحده تسبب في تيتيم أكثر من 15 مليون طفل حول العالم وأن عدد الأطفال الذين فقدوا أحد أبويهم أو كليهما بسبب الإيدز أو الفيروس المسبب له ارتفع من 11,5 مليون طفل في العام 2001 إلى 15 مليون طفل في العام 2003، وأن التقارير تشير إلى أنه في غضون ست سنوات ستصبح مناطق إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى موطناً لحوالي 50 مليون طفل ميتم، إذ إن أكثر من ثلث هؤلاء الأطفال سيكونون فقدوا أحد أبويهم أو كليهما بسبب وباء الإيدز، ويقدر التقرير أيضا مجموع عدد اليتامى عالمياً لأسباب شتى بنحو 143 مليوناً وأن عدد الأيتام الذين يتلقون بعض أنواع الدعم لا يتجاوز 700 ألف يتيم وهذا العدد لا يشكل سوى 5 في المئة ممن هم بحاجة إلى الدعم، ولربما ذلك الدعم لا يشمل سوى حد الكفاف من الحياة . وإذا كان البشر أنساهم غدوهم ورواحهم اليومي عن مأساة اليتيم، فعليهم ألاّ ينسوا عِبَرَ الزمان فقد يخطفهم الموت في أية لحظة وتغدو أطفالهم أرقاماً تُضاف إلى هذه الملايين من اليتامي لتتكرر المأساة ويظل التذكير بأهمية العناية باليتيم

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً