العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ

الدوائر الانتخابية ونظام الكوتا الطائفية!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

عندما شرعت الحكومة في رسم الدوائر الانتخابية في الانتخابات البلدية في مطلع العام 2002، كانت الصورة ضبابية، والأجواء مشحونة بالفعل السياسي والحراك المجتمعي المتموج، وقبل كثير من المواطنين بالأمر الواقع على مضض، تحت حجة أن الحكومة تريد أن تحافظ على التوازن الطائفي في البلاد، وخصوصاً نحن نخرج من عنق الزجاجة التي وضعتنا فيها تداعيات الاحتقان الطويل الناتج عن تطبيق قانون أمن الدولة، الذي ذهب غير مأسوف على شبابه البغيض.

وعلى رغم وجود الكثير من المسوّغات القانونية والديمقراطية للاعتراض على توزيع الدوائر الانتخابية في حالتي الانتخابات البلدية والنيابية، على اعتبار أن النهج الديمقراطي يتناقض مع الطريقة التي وزعت ورسمت بها هذه الدوائر، بريشة مهندس وفنان ماهر ذي أجندة خاصة، تعمد التدخل في أدق التفاصيل، ووضع مشرطه على أوصال الشعب بالتقطيع والتقصير والتطويل، إلا أن الكثير من الناس آثرت السكوت، وكأن لسان حالها يقول «انتخابات تفوت ولا أحد يموت».

لكن المسوغات التي سيقت وقدمت كأسباب للإقناع والاقتناع بترك أمر الدوائر، إلى بعض من له خبرة في حياكة «السياسة»، قد ولت وانتفت، وإذا كان العد التنازلي للاستحقاقات الانتخابية المقبلة قد بدأ فعلاً منذ الآن مع انطلاق الفصل الرابع للعمل البلدي والنيابي على السواء، فإن من المهم جداً التوقف عند المطالبات الكثيرة المنادية بأهمية إعادة رسم هذه الدوائر، بعيداً عن المعيار الطائفي الذي كان يتعمد تشتيت أصوات هنا، وتجميع أصوات هناك، فقط لأنه يريد أن يحفظ توازنات تناسب الأفق الذي يتحرك فيه.

وحتى لا يقال إن هذا الكلام هو من قبيل التطبيل والتزمير، وسوق الأكاذيب والأباطيل، أسوق هنا مثالاً لحالتين متناقضين حدثتا في محافظة المحرق، الأولى في الانتخابات البلدية والثانية في الانتخابات النيابية، مع ملاحظة أن ذلك ينسحب على الأوضاع الانتخابية في كل المحافظات الأخرى في البحرين بصورة أو بأخرى.

أثناء الانتخابات البلدية قام راسمو الدوائر الانتخابية بتشتيت الأصوات الشيعية في دوائر المحرق بشكل واضح، وقد حدث هذا تحديدا في مكانين اثنين (المثلث الشيعي في مدينة المحرق: الصاغة، الحياك، العجم) والذي شهد تشتيتاً قسرياً لهذه الكتلة الانتخابية، فتم توزيعها على الدوائر الانتخابية الثانية والثالثة والرابعة، ومنطقة عراد التي شهدت تشتيتاً قسرياً هي الأخرى في الأصوات الشيعية المتمركزة في مجمعي 241، 242 ، فعلى رغم الوحدة الجغرافية والاجتماعية لمعظم سكان هذين المجمعين، فإن مشرط الخبير قد فرق بينهما بشكل لافت، وقسمهما بنسب محسوبة بين الدائرة السابعة والدائرة الثامنة.

وأستطيع القول بكثير من الثقة إن من رسم الدوائر الانتخابية البلدية، كانت الصورة واضحة أمامه تماماً، فهو قد قرر سلفاً أن مجلس بلدي المحرق سيضم عضواً بلدياً واحدا من الطائفة الشيعية فقط ممثلاً عن الدائرة الخامسة (الدير وسماهيج)، على رغم أن حساباته لم يحالفها الحظ في الدائرة البلدية الثالثة نظراً إلى كثرة المرشحين وتشتت الأصوات بشكل لم يكن ممكناً تداركه.

المثال الآخر هو ما حدث في الانتخابات النيابية، فحين وجد راسم الدوائر أن العدد قد أصبح ثمانية فقط، احتار في تقسيم الكعكة، فما كان منه إلا أن ضم قلالي إلى الجزء الشرقي من مدينة المحرق، على رغم أن قلالي أكثر قرباً إلى سماهيج والدير والحد، إلا أنه وضع في اعتباره أن هذه الأصوات ستكون غير مؤثرة وغير حاسمة في حال أضيفت إلى الدير وسماهيج، ولا أدري لماذا هذا الإصرار على تعمد إثارة الفرقة، أثناء توزيع الدوائر. ومرة أخرى فقد كان القرار أن يكون هناك نائب شيعي واحد فقط من المحرق في مجلس النواب، ممثلاً عن الدير وسماهيج أيضاً وهو ما تحقق هذه المرة، التي تمكنت من تلافي أخطاء الدوائر البلدية.

لكن المؤكد أن من يرسم الدوائر الانتخابية، ليس عبيطاً أو جاهلاً بالأمور، ولا يقوم بما يقوم به بحسن نية أبداً، فلو كان كذلك لأعلن لنا الأسس التي اعتمدها لهذا التوزيع الذي يشين التجربة الاصلاحية ولا يزينها أبداً، فنحن نعرف أن النسيج الاجتماعي يقوى وتزداد أواصره في حال كانت البرامج والمشروعات الديمقراطية ذات بعد وطني، بعيداً عن الروح الطائفية والحسابات الضيقة.

أعلم أن البعض سيقول! ولكنك تثير الطائفية بهذا الطرح، وببساطة أرد على أصحاب هذا الرأي بأن نسبة الشيعة في محافظة المحرق حوالي 40 في المئة، فلماذا لم يراع من رسم هذه الدوائر هذه النسبة وحفظ للشيعة نسبة تمثيل في الانتخابات البلدية والنيابية تتناسب مع هذا الثقل؟ فإذا كان الجواب: لأن من رسم الدوائر لم يكن طائفياً! قلت إذاً لماذا أقدم عمداً ومع سبق الإصرار والترصد، على تشتيت الأصوات الشيعية في كل من دوائر المحرق وعراد، وقام بفرض حصار على الأصوات في منطقة الدير وسماهيج على هذه الأصوات؟!

في انتخابات 1973، قام من رسم الدوائر الانتخابية للمجلس الوطني بضم الدير وسماهيج وعراد في دائرة واحدة، وألحق الحالات التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق عراد بالحد، وفي انتخابات 2002 ألحق قلالي بالمحرق، إنها لعبة لا تتوافر على أبسط شروط حسن النوايا في هذا التوزيع غير العادل وغير المنصف، والباعث على الأحقاد والكراهية وتعميق الطائفية.

يجب أن يترفع صاحب القرار عن هذه الحسابات البغيضة، حتى تُهيأ فرص أكبر للتواصل بين أبناء الشعب الواحد، وحتى تكون هناك مجالات أكبر لتعزيز الوحدة الوطنية، فماذا يضيرنا إذا جاء سني إلى البرلمان بأصوات شيعية، وما هو الخطأ في أن يصل شيعي بأصوات سنية، أليست تلك أبسط مبادئ الديمقراطية؟ أم أننا أمام الشأن الوطني نتحول إلى شظايا، أو ذئاب ننهش في لحم بعضنا بعضاً؟

أعتقد أن السكوت على مثل هذه القضايا لن يغير من الأمر شيئاً، وسوق التهم لمن يطرحها أو يدافع عنها ووسمه بالطائفية لن يغير من الأمر شيئاً هو الآخر، فلماذا ندفن رؤوسنا في الرمل خشية أن يرانا أحد، دعونا نمارس الشفافية بشكلها الصحيح.

إن نظام الكوتا الطائفية نظام مرفوض تماماً، كما أن شروط الإعادة لكل من لم يحصل على نسبة تتجاوز 50 في المئة من الأصوات أمر يجب إعادة النظر فيه، لأنه بالنتيجة يؤدي إلى تعزيز الطائفية والانقسامات وزيادة فرص التناحر والخلافات بين المواطنين، ثم إنه يتناقض مع حق الناخبين والمرشحين في صوغ التحالفات والتكتيكات الانتخابية التي تعزز النهج الديمقراطي وتحميه.

ومرة أخرى فإن ما حدث في عراد والمحرق بالإضافة لما حدث في مناطق أخرى كمدينة عيسى، يؤكد سوء النية في فرض نظام الـ 50 في المئة، ففي المحرق أدى هذا النظام إلى وصول وتنافس مرشحين من الطائفة الشيعية في الدائرة الثالثة المفصلة سنياً، وهو ما أدى إلى عزوف السنة عن المشاركة في انتخابات الإعادة عموماً، باعتبار أن «عنبر أخو بلال»، أما في كل من عراد ومدينة عيسى فقد أدى النظام ذاته إلى إيصال مرشح واحد من كل طائفة، وهو ما أدى إلى فرز طائفي بغيض جداً، ساهم في إضفاء شعور كريه بتحقيق انتصارات مزيفة وانكسارات مخيفة.

على الجانب الآخر فإن هذا النظام يساهم في دفع شريحة كبيرة من المواطنين للعزوف عن المشاركة في الانتخابات على المدى القصير والبعيد أيضاَ، لأن كل من سيشعر بأن صوته غير مؤثر وغير فعال، سيحجم عن المشاركة بسبب ومن دون سبب، هذا علاوة على تسبب هذا النظام في حرمان الوطن من طاقات وكفاءات قد لا تستطيع إيجاد غالبية 50 في المئة، لكنها بكل تأكيد تستطيع الفوز بأصوات أكثر في حال كانت الانتخابات من جولة واحدة فقط.

وبالمناسبة فإن شرط الحصول على نسبة عالية (50 في المئة) يتم اللجوء إليه في بعض الانتخابات الرئاسية أو انتخابات رئاسة الوزراء في عدد محدود من الدول على مستوى العالم.

وبالعودة إلى نظام الدوائر الانتخابية فإن دولة الكويت الشقيقة على سبيل المثال تقوم بتوزيع البلاد إلى 25 دائرة انتخابية، يمثل كل دائرة 2 من النواب الذين يحصلون على أعلى الأصوات، بعيداً عن شرط تحقيق نسبة 50 في المئة المعمول به في البحرين، فلماذا لا نأخذ بهذا النظام ونطوعه بما يتلاءم مع بلادنا، من حيث توزيع الدوائر؟ ( للعلم فإن نسبة الشيعة في الكويت لا تقل عن 35 في المئة)، أي أن تمثيلهم في مجلس الأمة يعادل ما لا يقل عن 17 نائباً من أصل 50، ومع ذلك فإن هذا النظام لم يمنحهم أكثر من 6 مقاعد في مجلس الأمة في معظم الأحيان وعلى رغم ذلك فإنهم سعداء بهذا النظام ويتعاملون معه باحترام كبير، مع ملاحظة أن نظام المحاصصة أو التمييز في التوظيف في جميع الوظائف الحكومية غير معمول به في الكويت، إذ لا يسأل المتقدم لطلب الوظيفة أو الخدمة عن انتماءاته المذهبية مهما اختلفت الوظيفة أو الخدمة، والحال ذاته في الإمارات وقطر وسلطنة عمان.

وبالعودة إلى الحديث عن التمثيل في المجلس النيابي نجد أن من قام برسم الدوائر قد كرر الخطأ ذاته، فألزمنا بتوزيع مقاعد مجلس النواب بحسب المحافظات من دون أي وجه حق، فإذا كان مفهوماً أن يكون لكل محافظة مجلس بلدي يراعي خصوصياتها والخدمات التي تحتاجها، فإن مهمات المجلس النيابي لا ترتبط بمحافظة أو منطقة معينة بذاتها، فلماذا هذا الإصرار على هذه القسمة الضيزى؟

لقد أحال هذا النظام معظم أعضاء المجلس النيابي إلى أعضاء بلديين بشكل أو بآخر، فهم يدافعون عن مناطقهم ويتنافسون مع المجالس البلدية في تقديم الخدمات، حتى لم يعد هناك من مبرر لوجود المجالس البلدية في كثير من الأحيان، لأن النواب يقومون بالواجب!

لقد آن الأوان للمباشرة في إعادة رسم وتوزيع الدوائر على أسس علمية بعيدة عن الحسابات الطائفية، كما أن الوقت مناسب جداً لفصل الدوائر الانتخابية الخاصة بالمجلس النيابي عن نظام المحافظات، واعتماد مبدأ الدوائر الانتخابية الفردية ذات الثقل الانتخابي المتوازن، فلا يعود أحد النواب ممثلاً لأكثر من 10 آلاف ناخب، بينما نائب آخر لا يمثل سوى بضع مئات من الناخبين، هم في الغالب عدد من أهله وأقربائه وأصدقائه وبعض من معارفه وجيرانه. وعلى الجانب الآخر فإن المطلوب إلغاء شرط الحصول على نسبة 50 في المئة لأنها تعميق مؤكد للطائفية والانقسامات خصوصاً في المناطق المختلطة، التي من المفروض أنها مؤهلة للعب دور بالغ الأهمية في تعزيز الوحدة الوطنية عبر التقريب بين أبناء الطائفتين الكريمتين في البلاد، من خلال تعزيز الصداقات والتزاور وحسن الجوار والمصاهرة

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً