العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ

من له مصلحة؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بين اتهام مرشد الثورة الإيرانية عملاء المخابرات الأميركية والإسرائيلية بالوقوف وراء تفجيرات النجف وكربلاء واتهام بعض المصادر العراقية جماعات «الزرقاوي» و«القاعدة» بأنها دبّرت الاعتداءات يمكن قراءة التخبط الذي يمرّ به العراق عشية «الاستحقاق» الانتخابي في نهاية يناير/ كانون الثاني.

بين الاتهامين هناك مسافة واسعة تعكس اختلافات في وجهات النظر. وهذه الاختلافات تعيد تعريف الأزمة في العراق والتداعيات الناجمة عن الاحتلال.

إعادة تعريف الأزمة مسألة مهمة لأنها في النهاية تساعد على توضيح عناصرها وربط عواملها في سياق تحليلي لا يتبدل بين ليل ونهار. فالمسألة تحتاج إلى وقفة تأمل وعودة إلى الوراء وربط مجموعة حوادث في منطق يحاول التدقيق في المعلومات واستخلاص نتائج موضوعية بعيدة عن الأجواء المشحونة بالتوتر الأهلي.

لابد إذاً من وضع ضوابط تساعد على إعادة التحكم في الانفعالات أو الاستعجال في إطلاق تصريحات واتهامات غير موثوقة أو مدعومة بوثائق دامغة تدين هذه الجهة أو تلك.

السؤال الأهم في هذا السياق يمكن أن يبدأ من فكرة «المصلحة». من له مصلحة في دفع العراقيين إلى مواجهات أهلية أو على الأقل إلى انقسامات محلية تتلون بالمذاهب والطوائف والمناطق وتعطل، مستقبلاً، إمكانات إعادة توحيد العراق وإنتاج دولة وطنية مشتركة متصالحة مع محيطها العربي - الإسلامي ولا تهدد دول الجوار بالإرهاب أو الحروب؟

هل لسورية مصلحة، أو إيران، أو السعودية مثلاً في تفكيك العراق إلى دويلات طوائف ومذاهب وقبائل وأقوام؟ وهل من مصلحة دمشق وطهران والرياض مثلاً أن تنهض في العراق دويلات هي أشبه بمجموعة بؤر سياسية مضطربة وغير مستقرة تعرّض أمن الدول المجاورة للمخاطر اليومية؟

من الصعب تصديق أن دولة عربية أو مسلمة أو مجاورة للعراق تريد أو تشجع قيام دويلات تصدِّر الإرهاب إلى المناطق المجاورة. كذلك من الصعب قبول فكرة أن دول الجوار العربي - الإسلامي تخطط لإضعاف العراق وبالتالي تحويله إلى منطقة فراغ تستدرج دول المنطقة إلى معارك جانبية تستنزف في النهاية ثرواتها وتشدّ انتباهها عن المشكلات الداخلية أو الحد من تركيزها على القضية الأساس وهي موضوع فلسطين والصراع العربي - الإسرائيلي.

إذا كانت دول الجوار العربي - الإسلامي لا مصلحة لها في مثل هذه الأمور، فمن هو الطرف الذي يعنيه موضوع العراق ويريد تحويله إلى أشلاء محطمة ودويلات مهشمة لا تقوى على النهوض من دون مساعدة أمنية تملكها قوة واحدة وهي قوات الاحتلال؟

أسئلة بسيطة ولكنها في بساطتها تكشف الكثير من زوايا العراق المظلمة. إذ لابد في النهاية من مسئول يتحمل قانونياً مثل هذه النتائج الكارثية وما أسفرت عنه الحرب على العراق من تداعيات أمنية وسياسية. فالمواثيق والمعاهدات الدولية تشير إلى أن المحتل هو المسئول الأول والأخير عن كل ما يحصل من كوارث يتعرض لها أي بلد تجتاحه دولة كبرى أو صغرى؟ فالمسئولية واضحة قانونياً. إلا أن واشنطن تحاول منذ إعلانها الحرب واحتلالها العراق رفع المسئولية عن عاتقها ورميها على دول الجوار تحسباً لاحتمالات غير موضوعة في الميزان.

مثلاً بدأت المجموعات المتعاونة أو المستفيدة من الاحتلال بطرح أسئلة في صيغة تصريحات مقتضبة تشكك في اللوائح المترشحة للانتخابات في محاولة لإثارة الشكوك في هوية الأعضاء المترشحين والتلميح إلى ارتباطاتهم السياسية. هذا النوع من الكلام الذي يصدر عن أعلى سلطة تنفيذية تحكم العراق بقرار أميركي وتغطية من المحتل يشير إلى وجود مخاوف من أن تسفر الانتخابات عن نتائج لم تكن مدروسة سابقاً وبالتالي ستكون مخالفة للتوقعات.

هذا التشكيك في هوية اللوائح المترشحة وفي لوائح الشطب (أسماء المقترعين) ليس بعيداً عن الجهات الدولية (الأميركية تحديداً) التي بدأت تتخوف من العملية الانتخابية، وتعتبر نفسها أنها تورطت في وعد ولا تستطيع التراجع عنه إلا إذا أثارت حوله زوبعة من الشكوك. مضافاً إليها رفع الغطاء عن منظمات إرهابية مشبوهة وتسهيل أمورها وتشجيعها على القيام بأعمال مرعبة ومقرفة يتخذها الاحتلال ذريعة لوقف العمليات الانتخابية أو تعطيلها أو تأجيلها حتى يتمكن من إدارة دفة الصراع من جديد لمصلحة وجهة السير التي تريدها واشنطن.

في هذا السياق تأتي «فكرة المصلحة» لتساعد على فهم لماذا اتهم مرشد الثورة الإيرانية عملاء المخابرات الأميركية والإسرائيلية بالوقوف وراء تفجيرات النجف وكربلاء. كذلك تساعد على فهم لماذا أخذ المتعاملون والمستفيدون من الاحتلال توجيه أصابع الاتهام وإثارة الشكوك في هوية المترشحين للانتخابات. فالرابط واضح بين التفجيرات وسعي بعض القوى المتعاملة مع الاحتلال إلى حماية مصالحها خوفاً من أن تأتي نتائج الاقتراع مخالفة للتوقعات.

هذه فرضية ولكنها غير مستبعدة في بلد يعيش لحظات متغيرة في تاريخه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً