طُوي ملف الخلاف البحريني - السعودي بشأن اتفاق التجارة الحرة، الذي بدا واضحا أن البحرين تمضي فيه قدما مع الولايات المتحدة الأميركية وتأجل الى وقت لاحق، بينما جاء البيان الختامي تقليديا ومتماشيا مع أجواء المجاملات التقليدية الخليجية التي لم تخف التوتر في وجوه القادة والمسئولين بسبب الشد الواضح غير المسبوق بين «الشقيقتين» الكبرى والصغرى في مجلس التعاون الخليجي.
واتضح من الفقرة المقتضبة التي اشتمل عليها البيان الختامي أن المجلس قرر تأجيل البحث في مسالة توقيع الدول الاعضاء لاتفاقات ثنائية مع اطراف خارج المجلس لعرضها مجددا على وزراء المالية والاقتصاد الخليجيين بهدف وضع اسس جماعية للمفاوضات الثنائية الاقتصادية بين الدول الاعضاء في المجلس واطراف ثالثة، أن هذا التأجيل جاء بمثابة مخرج لتجاوز الاصرار السعودي على عدم مناقشة المجتمعون لأي موضوع للتكامل الاقتصادي قبل حل موضوع الاتفاقات الخلافية مع الولايات المتحدة الأميركية، وهكذا تمكن المجتمعين من المصادقة على القرارات الاقتصادية المعروضة على القمة.
ومع انتهاء أعمال القمة التي أعادت الى الأذهان التشنجات الخليجية التي مرت على المجلس سابقا والتي للمرة الأولى تأخذ الطابع الاقتصادي بينما كانت في السابق تتركز في الشق السياسي والأمني من العلاقات، يراوح التساؤل الذي طُرح مرارا عن مدى امكان التوصل الى حل في ظل عدم معرفة السبب الحقيقي وراء الموقف السعودي الذي تبلور فجأة قبيل انعقاد القمة الخليجية على رغم أن البحرين كانت تتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية لمدة طويلة، اذ يؤكد مسئولون بحرينيون أن البحرين أطلعت الأمانة العامة للمجلس بتفاصيل خطواتها المتعلقة بتوقيع الاتفاق الثنائي مع أميركا.
ويفتح صمت المسئولين في الخوض في أسباب الموقف السعودي، خصوصاً على الجانب السعودي وقصر السبب المعلن على مخالفة أحد بنود الاتفاقية الاقتصادية الموحدة، المجال لتحليلات المراقبين والمتابعين للعلاقات الاقتصادية والسياسية فالبعض يعزو ذلك الى أن السعودية كانت تتأمل كما جميع دول الخليج الأخرى التي تسير على خطى البحرين الى عقد اتفاق ثنائي مع أميركا تتساوى به مع دول المجلس التي تمضي في طريق توقيع اتفاق التجارة الحرة مع أميركا، الا أن التوتر الذي طرأ على العلاقات السعودية الأميركية على الصعيد السياسي وعلى خلفية تطورات أوضاع الارهاب بالاضافة الى السرعة التي تسير عليها الاتفاقات الخليجية المنفردة واعتماد أميركا لنماذج متشابهة لهذه الاتفاقات قد لاتتناسب مع الخصوصية السعودية، أضعف من قدرتها التفاوضية لعقد اتفاق مشابه، كلها أسباب يرى المتابعون فيها عائقا أمام السعودية لعقد اتفاق مشابه ويؤدى بالتالي الى عزلتها.
ولذلك فأن أهمية الحوار بين دول الخليج أصبحت أكبر من أي وقت مضى، وأيضا أهمية تقريب المعايير التي ينظر لها العالم الخارجي سواء دولا منفردة أو كتلا في الطرف الآخر لابرام اتفاقات تجارية معها.
فالطرف الخارجي عندما يفكر في ابرام اتفاقات شراكة ينظر الى أنظمة متكاملة من البنى التحتية الى البنى التشريعية والقوانين الى الشفافية في أداء الأجهزة الحكومية واجراءات مناقصاتها، وينظر حتى الى الانظمة السياسية وديمقراطيتها ودرجة مراعاة حقوق الانسان ومراعاة المعايير البيئية، ومن الواضح أن دول الخليج متباينة أشد التباين في هذه المعايير وهذا ما أخر تطبيقها للاتحاد الجمركي فيما بينها سنوات طويلة حتى رأى النور مقسما على مراحل بطيئة قبل عدة سنوات، وهو أيضا الذي أعاق أي تطور في مفاوضاتها لابرام أي اتفاق تجاري مع الكتلة الأوروبية لأكثر من عقد ونصف من الزمن.
هذا التباين موجود أيضا في الأوضاع الاقتصادية لكل دولة من دول مجلس التعاون، وفي المشكلات التي تعاني منها هذه الأقتصادات وكذلك في مدى الحاح هذه المشكلات ومدى قدرة الأنظمة على تحملها والتعايش معها قبل أن تتحول الى ثورة شعبية تطال استقرارها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
من هنا يبدو ضروريا أن تقدر دول المجلس، التي لاتزال تعيش في بحبوحة من العيش ما يمنحها متسعا للتلكؤ في الاسراع لمعايرة أنظمتها بالمستويات العالمية، أوضاع الدول الأخرى التي قاربت أوضاعها على الانفجار، فالخيار لهذه الأخيرة أصبح محصورا في التحرك المفرد نحو اغتنام ما يتوافر من فرص أمامها.
قال أحد المسئولين في اجابته عن أحد الأسئلة إن المجلس لايريد أن يحرق المراحل، لكن السرعة التي يسير عليها العالم من حولنا يضطرنا الى إعادة التفكير في طريقة وسرعة تعاملنا مع الأمور والتي أسست قبل ربع قرن من الزمان، قبل أن تحترق كل فرصنا للانضمام الى المنظومة العالمية
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ