«التنظيم... والتنظيم فقط»... ذلك ما ينقص كثيراً من أسواقنا المحلية التي يرتادها جمع من الناس كل يوم ومنها سوق جدحفص... التي باتت ملجأ للقريب والبعيد من المنطقة نفسها... ما إن تطأ عجلات سيارتك هذه البقعة حتى تواجه بسرب من السيارات الأخرى المصطكة ببعضها بعضا، وأناس في حركة مستمرة ولف ودوران وكأن مسا من الجنون قد أصابهم، عوضا عن أولئك الذين يتوسلون الفلس بحملهم لبضائعك في عرباتهم التي أكل الصدأ مأكله منها... ومن هؤلاء عليك الحذر كل الحذر، إذ لا مجال لديهم للتفاوض مع سيارتك لإفساح مجال للعبور، بل عليك أنت أن تشغل حواسك الخمس في آن واحد، بل وتضيف إليها حواسا أخرى حتى تجنب نفسك الوقوع في أية مشكلة كبيرة أو صغيرة!
وليت الأمر يتوقف عند مجرد سوء التنظيم لقلنا الأمر هين، فتلك حال تنطبق على معظم أمورنا الحياتية والعملية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية... فالفوضى تحيط بنا من كل مكان حتى بتنا في حال تأقلم وانسجام تام معها... ولكن الأمر يتعدى ذلك ليصل إلى مرحلة الخطورة التي تهدد أرواح وحياة أناس يحسدهم الكثيرون على سكنهم بالقرب من تلك السوق - سوق جدحفص - وواقع الحال ينقله أحد قاطني المنطقة، إذ هاتفني راغبا في نقل بعض الملاحظات إلى المعنيين عسى أن يتوصلوا إلى حل لمعضلة باتت تؤرق الأهالي جميعا، إذ يقول:
سوق جدحفص باتت مرتعا وملاذا للقاصي والداني يتزودون منها بالخضراوات والفواكه الطازجة والأسماك واللحوم فضلاً عن بعض الملابس رخيصة الثمن التي أخذ أصحابها جانبا من السوق بعيدا عن فرشات الأطعمة وفي مواجهة الشارع العام، ولكن سرعان ما اختلط الحابل بالنابل حتى بالكاد تميز فرشة عن أخرى، والرائحة امتزجت في خليط عجيب عطرت به السوق بكاملها، فلا فرق بين فرشة ملابس وأخرى لبيع السمك والروبيان!
ولا يخفى عليكم ما يسببه ذلك من إزعاج وقلق لمنام وراحة الأهالي الساكنين بالقرب من السوق، فضلاً عن مزاحمتهم في مواقف سياراتهم، بل وحتى الدخول إلى البيوت يكون بالغ الصعوبة، وكأنها أصبحت جزءا من السوق نفسها يجري عليها ما يجري على الثانية... ولكن ذلك كله يهون أمام ما حدث قبل مدة بسيطة حين تعرضت إحدى نساء المنطقة لأزمة صحية طلبت على إثرها سيارة إسعاف لمحاولة إنقاذها، ولكن ولازدحام السوق بالشكل الذي ذكرت واجهت سيارة الإسعاف صعوبة بالغة في الوصول إلى البيت المعني، وما إن وصلت حتى فارقت تلك السيدة الحياة وأسلمت روحها إلى بارئها! فهل أصبحت هذه السوق التي يحسدنا عليها الكثيرون نقمة تهدد حياتنا وحياة أهلينا وأحبتنا؟ والآن وقد تفاقم الوضع ليصل إلى هذه الدرجة من الخطورة، هل نبقى صامتين نضرب الراح بالراح من دون محاولة الوقوف على الأسباب ووضع الحلول؟
ونحن لا ننكر ما قامت به إدارة المرور من تنظيم للسوق بوضع الإشارات اللازمة وتحديد المسارات... وكذلك جهود بلدية المنطقة ولكن كل تلك الجهود تذهب أدراج الرياح مع استهتار البعض من البائعين الذين باتوا يتهافتون على الشارع العام تاركين الأماكن المخصصة لهم، ما يسبب تكدس البائعين على طول الشارع وبالتالي توّلد الزحمة والأزمات التي ذكرت، وكل أملنا أن تتكرم إدارة المرور بتخصيص شرطي مرور في منطقة السوق لتنظيم السير وضمان انسياب الحركة من دون عوائق أو مشكلات.
انتهت ملاحظات المتصل الكريم بشأن أحوال سوق جدحفص لتترك وراءها ملاحظات على البائعين أنفسهم، فالمطالبة بتأسيس أو إصلاح البنية التحتية للسوق لن يجدي نفعا طالما بقيت النفوس على مرضها من دون علاج... التنظيم المفقود ليس تنظيما للحركة والسير، فهذا كما أكد المتصل الكريم، لم تقصر إدارة المرور بتوفيره... ولكن التنظيم المفقود هو تنظيم الداخل... داخل البائع والمشتري في آن، فلو أن كل واحد درس كل خطوة قبل أن يقدم عليها ووضع في حسبانه ما سيترتب عليها من أمور سواء عليه أو على أولئك الساكنين الأبرياء لما واجهتنا أية مشكلات من النوع الذي نفقد فيه أرواح أعزتنا، فقط لسوء تنظيم منا!... ولكنا على رغم ذلك نناشد إدارة المرور، بل وكل المعنيين، بالنظر في أحوال السوق ومحاولة إيجاد الحلول الكفيلة بتجنب الكوارث، وليعذرونا فهذا هو حالنا نحن البشر لا ننظم أنفسنا ولا نلتزم بالتعليمات حتى ولو كانت في صالحنا إلا بشدة وضرب عصا لا تتقن فنهما البلدوزرات
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 837 - الإثنين 20 ديسمبر 2004م الموافق 08 ذي القعدة 1425هـ