العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ

يا مقرري البُونس... لا تجعلونا في دائرة البَو... نسي

عيسى المطوع comments [at] alwasatnews.com

نستهل موضوعنا هذا بتوجيه الشكر الجزيل إلى إدارة الخدمة المدنية على اهتمامها البالغ بإصدار تعميم عن المكافأة السنوية لموظفي الخدمة المدنية في تعميمها الموسوم بـ «البونس»... ولكن هذا الشكر لا يمنعنا من توجيه بعض الملاحظات عن هذا المولود الجديد الذي جاء بولادة مبتسرة أثبتت مدى الإعاقة التي يستحيل معها أن يكون قابلاً للاستمرار حياً على وضعه الذي خرج به إلى الوجود، ما لم يقم المسئولون بإجراء عمليات تجميلية سريعة تساعده على البقاء. وما دعاني للكتابة عن هذا الموضوع عدة مثيرات أجملها فيما يأتي:

المثير الأول... (مشاهدتي لمرضى في عيادة «البونس»): من خلال قراءة سريعة للتعميم رقم 5 لسنة 2004م الصادر بتاريخ 31 أكتوبر بشأن مكافأة الأداء السنوي «البونس» لموظفي الخدمة المدنية، والذي وضع أساسا ليكون حافزا للموظفين ومشجعا لهم على تطوير مستواهم الوظيفي، شعرت بحرارة تداهمني لترتفع في كل يوم فقررت اللجوء إلى الطبيب فرأيت أنّ عيادته قد دخلها كل من له صلة بالإدارة في المؤسسات الحكومية المدنية وكلهم يشكون مما أشتكي منه... وبعد أن اطلع الطبيب على هذه الأعراض المثيرة افترض بأن هناك فيروسات من نوع جديد انتشرت في أجواء المؤسسات الحكومية وداهمت أدمغة المديرين والمسئولين فقط بهذه المؤسسات! فقرر بعد التشاور مع مرضاه القيام ببحثه الميداني الذي بناه على أسس التفكير والبحث العلمي الدقيق مبتدئاً بتحديد المشكلة، ومن ثم وضع الفروض، ثم اختبارها بالتجربة العملية، وملاحظة النتائج، وبعد تكرار التجربة، تأكد أن هناك حقيقة علمية أكدت صحة فرضه الأول، مؤداها أن هذا الصداع مصدره التعميم الصادر من إدارة الخدمة المدنية والذي تسبب في إحداث كم هائل من الأسئلة داهمت أدمغة أولئك المرضى فسببت هذا الصداع الحاد، و هذا الصداع لن يتم التخلص منه إلاّ إذا بادرت إدارة الخدمة - وبسرعة - باتخاذ الإجراءات اللازمة لحل هذه المشكلة والقضاء على ذلك السيل من الفيروسات الاستفهامية والعمل على سلامة أولئك النفر الذين لا يختلف اثنان بأن لهم الفضل الأكبر في تسيير ركب العمل في هذا البلد العزيز ومساعدتهم للخروج سريعاً من هذا المأزق الحرج.

المثير الثاني... القول المأثور «في العجلة الندامة وفي التأني السلامة»: أعوذ بالله من الغفلة وما أدراك ما الغفلة... ومن أبرز أسباب الوقوع في الخطأ هو التسرع في الحكم، وانطلاقاً من ذلك نستطيع القول إن ما يسترعي الانتباه أن يتم إقرار قانون أو تعميم ليأخذ طريقه في التطبيق على شريحة كبيرة من القوى العاملة المنتجة من دون أن تتم دراسته دراسة مستفيضة تتناول ما يمكن أن يترتب عليه من إيجابيات وسلبيات بعد التطبيق وما قد يعتري التطبيق من نواقص وعقبات أو مفارقات ومتناقضات وما يحتاجه من صور التغيير والحذف والإضافة إلى ما تضمنه من بنود وفقرات. وأظن أن مثل هذا الأمر قد تترتب عليه صعوبات جمّة قد لا يتحملها المخاطبون بتطبيق هذا القانون فضلاً عن من سيكونون ضحايا لسلبياته.

المثير الثالث: قول الشاعر «فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم». وأعجب من كل ما مضى أن يتلقى المعنيون بتطبيق هذا القانون البونسي الأمر بأعصاب باردة وكأنهم غافلون عما سينتج من تطبيقه من مشكلات قد تأتي على حساب العمل والإنتاج، أو أنهم يعلمون بكل ذلك وهم راضون بتلك النتائج السلبية والتي قد لا يجدون لها حلاً وكأن الأمر لا يعنيهم مهما تكن كلفته المادية والمعنوية، فليقتنعوا إن ما كلفوا به ليس وحياً من السماء يحرم الاعتراض عليه وإخضاعه للدراسة والتحليل قبل قبوله والتسليم به.

المثير الرابع... لكيلا يساء فهم قصدي، وقبل الشروع في استعراض بعض ما يتعلق بهذا الموضوع، فإنني ممن لا يرغب في تشجيع الموظفين والعاملين طبقاً لمعايير يحكمها القانون، بل إني على العكس من ذلك تماماً، إذ إن مسألة الحفز والتشجيع من أولى اهتمامات كل مواطن غيور في موقع المسئولية باعتبار أن من لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق، ولكني أنادي دائماً بأن الأمر مادام يتعلق بالموارد البشرية فلابد من ملاحظة الفروق الفردية والكفاءات والقدرات التي تتحكم في الإنتاج واختلافها من مؤسسة إلى أخرى حتى ولو كانت تلك المؤسسات تابعة لوزارة واحدة.

هذا بالإضافة إلى أن كل مؤسسة تسعى إلى تحقيق أهدافها المنشودة من خلال مجموع العاملين فيها على اختلاف أعمالهم ودرجاتهم، وان أي إخلال بالجانب الإنساني الذي يحكم علاقات العاملين مع بعضهم قد يترتب عليه إحداث شروخ وتصدعات في تركيبة العلاقات الاجتماعية والإنسانية ما ينعكس سلباً على الإنتاج ومستوى الجودة فيه عاماً بعد عام، أو بعد كل دورة عمل متجددة بعد انتهاء سابقتها. إن ما أريد استعراضه هو ما أستوحيه من احتمال قيام صعوبات بعد تطبيق قانون «البونس» الذي أقرّته إدارة الخدمة المدنية، والتي أرجو أن يوافقني فيها المعنيون بالأمر، ما يستدعي معه إعادة النظر في النسب المحددة والمطروحة لتجد طريقها إلى الدراسة ثانية كي تكون مفتوحة غير مقيدة ما يدفع بالقائمين على إدارة المؤسسات أن يدخلوا في مجال المنافسة الشريفة التي تؤطرها مسألة الصدق في إعطاء التقديرات الوظيفية بحيث تكون هناك صدقية في العمل والدرجة التي يحصل عليها العامل.

إن الحال المفترضة للواقع القائم لمستويات العاملين وقدرتهم على الإنتاج والتي يراد لها أن تكون دائمة بحسب تحديد النسب تجعل من المستحيل على المديرين والمشرفين على العمل أن يخلقوا كوادر فاعلة وجادّة تتطلع إلى الامتياز باستمرار لأن ذلك مما يتعارض مع القانون، وإلاّ فسيتعرضون للمساءلة من طرفي المعادلة، أي من إدارة الخدمة المدنية من جهة، ومن العاملين معهم من جهة أخرى.

المثير الخامس... وضع القيود على الرغم لا بالرضا: إن التسليم بهذه النسب التي حددها القانون يجعل أولئك المديرين والمسئولين عن التقييم والتقويم أمام قيود يصعب فكها، لأنه لابد لهم من الإقرار بأن العاملين تحت إدارتهم لن يتعدوا هذه النسب التي حددها قانون الخدمة مهما حاولوا على مر الأزمان وسيبقى كل منهم في دائرة المستوى الذي وضع فيه وعليه أن يرضى بذلك مادام يعمل في هذه المؤسسة لكيلا يحرج المدير في مسألة التقدير الوظيفي، ذلك لأن تغيير تقديره يعني حصول إخلال في المعادلة التي فرضتها إدارة الخدمة لأنه سيضطر إلى أن يستبدل به غيره فيرفعه ويحط من شأن زميله الذي لم يرتكب جرماً يستحق معه أن ينزل معدل تقديره إلى مستوى أدنى مما كان عليه. ومن الذي سيخلص المدير أو المشرف من ورطته هذه، ومن سيقبل منه تلك التبريرات التي سيضطر إلى تقديمها عندما تتم مساءلته من قبل ذلك الموظف من خلال التظلم الذي سيقدمه على إثر ما يلحق به من حيف لا يجد له مبرراً منطقياً، خصوصاً ونحن في عصر الشفافية؟

المثير السادس... الدخول في المتاهات: في تصوري أن تطبيق ما جاء في هذا القانون البونسي سيجعل المسئولين يدخلون في متاهات لن يجدوا لها مخارج إلاّ أن تتعطف عليهم إدارة الخدمة المدنية بإجراء دراسة مستفيضة وجادّة تنظر بموضوعية لنقاط التعارض الواردة في هذا القانون مع المنطق ومع الوضع القائم حتى لا نتناقض مع الأهداف التي تم سن هذا القانون من أجلها، وأبرزها دفع عجلة العمل والعاملين نحو التقدم وتحقيق مستوى أفضل من الإنتاج وإنجاز مستويات متقدمة في سلم الأداء الوظيفي المكلل بالرضا عن النفس وما تحققه من صور الإنجاز المتجدد.

المثير السابع... تعارض دعوانا ومطالبنا مع أحكامنا: كيف نطالب بالدينامية التي تحقق التطور الدائم ونحن نحكم على أنفسنا بالاستاتيكية المقيتة؟... ذلك لأن إجراء تقييم للموظفين وفقاً لتحديد النسب يعني بالبداهة الجزم بالحكم على الأداء الوظيفي في كل المؤسسات الحكومية بأنه ثابت لا يتغير وغير قابل لأن يكون أفضل مما هو عليه، بل على العكس نرى أن قابليته للتردي حتمية، نظراً إلى النتائج المحتملة من جراء ما يخلفه العمل بهذا النوع من التقييم خصوصاً مع كونه مرتبطاً بجزاءات مادية غير متكافئة مع الأداء العملي من وجهة نظر الموظف نفسه فضلاً عمن يشاركه الرأي من زملاء.

المثير الثامن... سيل جارف من الأسئلة: ما هي المعايير المعتمدة في تحديد تقديرات الموظفين؟ وماذا سيفعل مديرو الإدارات إذا كانت معايير الامتياز تنطبق على عدد من الموظفين يزيد على نسبة 5 في المئة؟ وهل ستبقى هذه النسبة ثابتة في كل الأعوام؟ وفي هذه الحال ما هو الحل إذا حافظ الموظفون الحاصلون على الامتياز على تميزهم الوظيفي، وفي الوقت نفسه استطاع الكثير من زملائهم أن يثبتوا جدّيتهم في العمل بدرجة لا يمكن معها أن يدّعي المدير بأن المعايير المطلوبة لا تنطبق عليهم؟ وهل سيبقى الإشكال نفسه قائماً بالنسبة إلى بقية التقديرات؟

كما أن هناك كماً هائلاً من الأسئلة التي تطرح نفسها طبقاً لهذا القرار غير المدروس... نستطيع أن نجمل بعضها في الآتي:

1- من الذي سيقوم بإنصاف الموظفين المتظلمين عندما يجدون أن من حصل على الامتياز لا يفوقهم من حيث التقييم الواقعي؟ فهل سترد ظلاماتهم أم سيؤخذ بها؟ ومن هو الحكم الفصل في مثل هذه الحالة؟ وإذا ما أخذنا بظلامة المتظلمين ورأينا أن معهم الحق في تغيير تقديراتهم بما يستحقون، فهل ستبقى النسب التي حددها قانون الخدمة المدنية؟ وهل من العدل أن نرى أن الحق مع هؤلاء المتظلمين ولا نأخذ بظلامتهم ونحن ننشد الإصلاح؟

2- إذا كان مدير العمل (مدير مدرسة مثلاً) ولديه من المعلمين والموظفين الآخرين من اختصاصيين وفنيين ومرشدين اجتماعيين ومشرفين إداريين وعاملين، فكيف سيحدد نسبة (5 في المئة) هل هي من مجموع العاملين في المدرسة أو من كل تخصص على حدة؟ وإذا كانت الإجابة بأن تحديد هذه النسبة من المجموع الكلي، فماذا عن المعايير المعتمدة في التقييم؟ وإذا كان لكل فئة معاييرها الخاصة فما هو الحل إذا كانت تلك المعايير تنطبق على أكثر من (5 في المئة) من الفئة نفسها فضلاً عن المجموع الكلي للعاملين بالمؤسسة؟

3- هل من الضرورة بمكان أن تكون هناك حالات من مستوى تقدير «مرضي» وتمثل (20 في المئة) من مجموع العاملين؟

4- ما ذا سيفعل مدير المؤسسة في الأعوام المقبلة؟ فهل سيعطي التقديرات نفسها للموظفين نفسهم الحاصلين على الامتياز في هذه المرَة، أم أنه سيختار مجموعة أخرى وخصوصاً إذا كان الموظفون الذين حصلوا على الامتياز قد ضاعفوا من عطاءاتهم، في مقابل أن الموظفين الآخرين قد ارتفع معدل الأداء عندهم إلى المستوى الذي لا يقل عن مستوى الامتياز؟

5- ماذا سيكون قرار المدير في حال الموظف الحاصل على تقدير (جيد) وقد استطاع لاحقاً أن يفرض نفسه في مصاف الامتياز، فهل يحق لمديره أن يلحقه بفئة الحاصلين على تقدير الامتياز، أم أن هذا الموظف لابد له من الترقي التدريجي (جيد، جيد جداً، ممتاز)؟

6- هل سيبقى العمال في المؤسسة أسوأ حظاً من الموظفين، أم سيدخلون في دائرة المنافسة مع بقية العاملين في تلك التقديرات؟

7- هل ستنطبق هذه المعايير على مديري الإدارات والوكلاء المساعدين ورؤساء الأقسام والاختصاصيين في جميع الوزارات، أم هي خاصة بالموظفين الصغار فقط؟ وإذا ما كانت ستطبق على الوظائف العليا هل ستكون النسب نفسها معتمدة أيضاً. بمعنى هل سنجد من الوزراء أو الوكلاء المساعدين أو مديري الإدارات أو رؤسائها من يحصل على تقدير امتياز بنسبة (5 في المئة) إلى جانب من يحصل على تقدير (جيد جداً) بنسبة (15 في المئة) و(جيد) بنسبة (50 في المئة) ومرضي بنسبة (20 في المئة)؟! أم أنهم مستثنون من هذه العملية؟

8- إذا كان أصحاب المناصب العليا ممن يستثنيهم هذا القرار، فعلى أي الأسس تمت عملية الاستثناء؟ فهل هم من الذوات التي لا يمكن أن تخضع للتقويم والتقييم؟

9- إذا كان القرار سينصب على تلك الفئات العليا من الموظفين، فما هي حال مؤسسات الحكومة إذا كان غالبية من يديرونها عاجزين عن أن يتخطو تقدير (جيد) في أدائهم الوظيفي، وخصوصاً إذا كانت إدارة الخدمة المدنية قد حكمت سلفاً أن الأداء المطلوب من الجميع يجب ألا يتخطى هذه النسبة، لأن مدير المؤسسة سيكون مداناً مثله مثل بقية من دونه من يقع تحت طائلة مسئوليته من المديرين إذا كانت قدرات موظفيهم تتجاوز النسب المحددة من قانون الخدمة؟

10- ما هو مصير أصحاب المناصب الوظيفية العليا من مديرين فما فوقهم إذا كان ما لا يقل عن (20 في المئة) منهم تقديرهم مرضي؟ وهل سنقبل بهم في مناصبهم وهم عاجزون حتى عن تحقيق تقدير (جيد)؟

11- ما هو موقف أصحاب الوظائف العليا ممن يعجز منهم عن تجاوز تقدير (جيد) أمام موظفيهم الحاصلين على تقدير (ممتاز)؟

12- إن نسبة الـ (75 في المئة) من الراتب التي سيحصل عليها من سيمثلون الـ (5 في المئة) من الموظفين ستبقى محل ازدراء عندهم في مقابل الـ (20 في المئة) من رواتب من سيحصلون على تقدير مرضي من كبار الموظفين (إن وجدوا طبعاً بحسب افتراض القانون)، فأين الثريا من الثرى، وهل سيكون الطرفان في حال من الرضا عن هذا التقييم، أم سيكون الجميع في حال استياء؟ وماذا نتوقع من الموظف الذي لا يعيش الرضا عن عمله وعن مسئوليه في العمل وخصوصاً إذا كان يعتقد أنهم سبب في حرمانه من منحة مالية تسهم في تعديل وضعه المعيشي؟

المثير التاسع... براهين على صدق ما أدّعيه: هناك أمثلة من الواقع المعاش للتدليل على مدى الصعوبة في التقدير والحرج الذي سيعيشه المديرون في حال تطبيق النسب التي قررتها إدارة الخدمة في قانون «البونس»:

المثال الأول: في المدرسة هناك عدة تخصصات دراسية (اللغة العربية، الإنجليزية، الرياضيات، الاجتماعيات، التربية الإسلامية، العلوم، المجالات العملية والتربية الرياضية) ولكل قسم منها معلم أول ومعلمون للمادة يختلف عددهم من مدرسة لأخرى، وبطبيعة الحال تختلف المدارس من حيث الحجم والمستوى الدراسي، وبالتالي من حيث المجموع الكلي للمعلمين في المدرسة ومستويات الكفاءة العلمية والعملية، هذا فضلاً عن بقية الموظفين من اختصاصيين وفنيين ومرشدين ومشرفين... فكيف سيتصرف المدير في مثل هذا الوضع المعقد إذا كنا قد قيدناه بالنسب التي حددها قانون «البونس»، لأنه لابد له أن يفرز (5 في المئة) ممن يستحق تقدير (امتياز) و(20 في المئة) ممن يستحق تقدير (جيد جداً) و(50 في المئة) ممن لا يتعدى تقدير (جيد) وأخيراً ما نسبته (20 في المئة) يقر ويعترف بأن تقديرهم مرضي فقط.

المثال الثاني: في إدارة المناهج كذلك هناك مجموعة اختصاصات متوافقة مع المواد الدراسية، وبناء على ذلك يوجد اختصاصيون للمناهج وآخرون للتوجيه التربوي لكل مادة على حدة، وتختلف أعدادهم بحسب سعة انتشار التطبيق لتلك المواد في المدارس، فهل ستترك مسألة التقدير للاختصاصيين الأوائل لكل مادة على حدة، أم أن التقدير سيكون شاملاً لجميع الاختصاصيين كمجموعة واحدة، ومن هنا تبرز الصعوبة في التقدير والحرج في تحديد النسبة بقيودها الموضوعة، وخصوصاً إذا عرفنا أن عدد الاختصاصيين قد لا يتجاوز العشرة في غالبية التخصصات. ولكي نستشعر مدى الحرج ليتفضل علينا أي مسئول من الموافقين على تطبيق هذه النسب، ليختار واحدة على الأقل من مدارس وزارة التربية، ابتدائية كانت أو إعدادية أو ثانوية ثم ليعطينا تقسيماً منطقياً لتوزيع التقديرات وفق ما حدده القانون من نسب مئوية ثم ليعرضه على لجنة تحكيم من أبرز الاستشاريين والخبراء ليصدروا حكمهم عن مدى منطقية ما جاء به هذا المسئول.

ونستطيع الجزم بأن هذه الصعوبات سوف لن تكون مقصورة على المدارس فقط وإنما هي شاملة لغالبية الدوائر والمؤسسات الحكومية إن لم تكن جميعها.

المثير العاشر... الإشكالات المتلاحقة: وليثق الجميع بأننا إذا قبلنا هذا الواقع المفترض سنجعل المدير - أي مدير كان - متحيراً بين أمرين كليهما مر... فماذا يفعل؟ أرشدونا يا ذوي الألباب!

الإشكال الأول: إن العمل بهذا القانون يفرض على المدير أن يعترف بأن لديه ما نسبته أكثر (70 في المئة) عاجزون عن تخطي تقدير (جيد)... وفي مثل هذه الحال هل من المنطقي أن تعتمد الدولة على هذه النسبة من المعلمين في مدارس الدولة لتخريج أجيال المستقبل والتعامل مع مشروع مدارس المستقبل الذي تعمل وزارة التربية على إقراره كمشروع يميز عصر جلالة الملك؟

الإشكال الثاني: ماذا نتوقع من مناهج للتربية أعدها اختصاصيون أكثر من (69 في المئة) منهم عاجزون عن تخطي تقدير جيد في أداء عملهم كاختصاصيين تربويين؟

الإشكال الثالث: والسؤال يكرر نفسه، كيف ستكون عليه حال التوجيه التربوي ممن نسميهم اختصاصيي توجيه غالبيتهم من العاجزين عن تخطي تقدير (جيد) في أدائهم لعملهم كموجهين؟

والإشكال الأكبر، بل الطامة الكبرى، هي أن المسئولين يقرون ويعترفون مرغمين بأن هؤلاء هم من سيشرف على مدارس المستقبل في مناهجها وتوجيه معلميها الذين لا يفضلونهم إلاّ من حيث المسمى الوظيفي.

الإشكال الرابع: ويتمثل في إدارة التدريب من حيث القول إن إدارات التدريب في الوزارات عموماً وفي التربية خصوصاً والتي لا يتعدى عدد اختصاصيي التدريب فيها (العشرة) على الأكثر، فهي بهذا الوضع كمن ينفخ في قربة مثقوبة أو يصب الماء في غربال، لأنهم مهما حاولوا - يستطيعوا من خلال دورات التدريب التي يعدونها وينفذونها - لن يستطيعوا أن يرفعوا من مستويات المتدربين، وذلك للأسباب الآتية.

الإشكال الخامس: مادمنا قد حكمنا سلفاً على كل المؤسسات التي تدفع بمتدربيها للتدريب بالدوران في دائرة مغلقة، فلابد لنا أن نعترف بأنها وفق هذا الافتراض تمارس عبثاً والعياذ بالله، لأنها مهما حاولت فلن تستطيع أن تغير النسب القائمة عندها من حيث الأداء الوظيفي، وبالتالي فمن العبث الدخول في هذه العمليات التدريبية بدعوى تحسين الأداء الوظيفي عند الموظفين.

الإشكال السادس: إن المدربين أنفسهم ممن ينطبق عليهم الحكم ذاته في مستوى الأداء الوظيفي، وعلى هذا الأساس كم يبلغ عدد المدربين في كل دائرة تدريب؟ وكم ستكون نسبة (5 في المئة) منهم و(15 في المئة) الذين يمكن أن نثق بقدرتهم على التدريب المتميز، أما الباقون وهم الأكثرية بطبيعة الحال فهم أعجز من أن يرفعوا نسبة الأداء الوظيفي للمتدربين على أيديهم إلى مستوى (جيد جداً) فضلاً عن الممتاز، ذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه!

المثير الحادي عشر: إحساسي بالخوف من النتائج المتوقعة على إثر التطبيق. ففي تصوري ان هذا الأمر سيخلق حالات من التوتر في العلاقات الوظيفية في كل المؤسسات الحكومية بالإضافة إلى الحرج الذي ستعيشه الإدارات من جراء هذا التقييم الذي تحدده تلك النسب الموضوعة بصورة آلية وميكانيكية تماثل بين الأداء البشري وأداء الآلات في المصنع وما تحتاجه تلك الآلات لتعمل في المستوى المطلوب. فماذا سيكون عليه الجواب من إدارة الخدمة بعد هذا العرض للوقائع الواقعية والنتائج السلبية التي ستترتب عليها إذا ما فرض عليها هذا القانون بصورته الحالية والتي شارفت على التطبيق من دون أن تجد من يحتج عليها؟

إذن، من خلال استعراضنا لما سبقت الإشارة إليه من محاذير إما أن نعترف بأننا «استاتيكيين» حتى العظم نرفض التغيير فضلاً عن التطوير، وإما أن نعترف بأننا قد تسرعنا في حكمنا بضرورة تطبيق قانون «البونس» وفق النسب التي حددناها وفرضناها كأنها وحي منزل لا يقبل التغيير بل يحرم تغييره.

المثير الثاني عشر: الاعتراف بالخطأ فضيلة وهل نرفض التحلي بالفضائل؟ أسألكم بالله يا من أشرفتم وقررتم هذه النسب: هل وضعتم في اعتباركم هذه الصعوبة، التي لا يستطيع حلها أذكى الأذكياء ليُقنع أصحاب الاحتجاج بالمنطق العقلي الذي تهدأ بفضله النفوس؟ونظراً لما تقدم فإنني أقترح ما يأتي:

1- أن تكون مسألة التقدير غير خاضعة لنسب محددة، لأن هذا المطلب يتماشى مع واقع الفروق بين مستويات الأداء الوظيفي في المؤسسات وإن تشابهت في الوظائف المنجزة.

2- أن يكون نظام «البونس» على ما هو متبع نفسه في بعض المؤسسات والشركات المطبقة لهذا النظام، بمعنى أن يكون راتباً إضافياً لكل موظف، أو أن يشترط فيه بعض الشروط والقيود، كأن يكون تقدير الموظف (جيد جداً) على الأقل في السنتين الأخيرتين مثلاً.

3- أن تكون هناك رقابة خارجية على وضع التقديرات المعطاة للموظفين للتأكد من مدى مطابقتها للواقع، كأن تكون لجنة مؤلفة من فنيين وخبراء في المجال نفسه تكلف بزيارة المؤسسات التابعة للوزارة المعنية ومطالعة عينة اختبار من كل قسم للوقوف على سلامة تلك التقارير والنظر في شكوى وتظلمات من يجد نفسه مهضوم الحق في مؤسسته، ومن ثم رفع تقارير عن كل مؤسسة للجهة المسئولة تتضمن الإيجابيات والسلبيات عن أداء المؤسسة وقدرتها على تحقيق التقدم نحو الأفضل عاماً بعد عام.

4- فتح الفرصة للمتظلمين أن يرفعوا تظلماتهم إلى لجان محايدة تنظر في مدى استحقاقهم لما يطالبون به، بالإضافة إلى إمكان تكليف لجنة مراقبة على المديرين الذين يضعون التقارير السنوية وذلك بأن تمر تلك اللجنة لتطالع عينات من تلك التقارير والمعايير التي اعتمدت في كتابتها ومدى صدقها على تلك الحالات.

كلنا رجاء في أن يتخذ المسئولون خطوة إيجابية وجريئة في تعديل ما جاء في هذا القانون من ثغرات تحاشياً عن الوقوع فيما لا تحمد عقباه من قطع علاقات الموظفين بمسئولي أعمالهم، ما ينعكس سلباً على الإنتاج من الناحيتين الكمية والكيفية وحصول هذا الأمر - لا سمح الله - يعني أن تطبيق القانون قد جاء بأهداف معاكسة لما تم إقراره من أجل تحقيقها. وتذكروا دائماً المثل القائل: «ما تحرق النار إلاّ رجل واطيها». وشتان بين من يده في النار ومن يده في الماء

العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً