يطلق على البحرين، قديماً، أرض الخلود..أما اليوم فإنه يصح تسميتها أرض خلود كبار الموظفين في مناصبهم، وكأن «ما في هالبلد إلا هالولد»!! حتى إن البعض يقوم بتغيير جوازه... وبالتالي يصغر عمره أكثر من مرة، وهكذا، فالفساد يتبعه الفساد، حلقةً بعد حلقة. فمن عدم قانونية التمديد (التقاعد) إلى تزوير الأعمار، مع أن الأعمار بيد الله يا جماعة.
إن قرار سمو رئيس الوزراء بـ «عدم التمديد لأي موظف انتهت مدته بحسب قانون التقاعد» يأتي من أجل ضخ دماء جديدة، والأمر ذاته أكده جلالة الملك في أكثر من مناسبة... ولكن يتحايل بعض الوزراء على القانون بأعذار ومبررات واهية لا تنطلي على عاقل. ومن تلك التبريرات ان هذا الرجل لا يوجد له بديل، والتمديد إنما هو من أجل خلق صف ثان بديلاً. ونقول: إذا مكث هذا المسئول طوال هذه المدة من غير أن يخلق له بديلاً، فهل بالتمديد لسنة أو أكثر - بعد أن مكث أكثر من نصف قرن - سيستطيع أو يقبل أن يخلق فيها بديل؟ التمديد لا يخرج عن أمرين: إما أن الرئيس أو المدير أو الضابط يملك من السلطة والنفوذ والسيطرة ما يمنع من تغييره، وهنا نحن بصدد قضية أخرى. وإما أن علاقة الوزير بهذا الموظف الكبير علاقة مصلحية - تبادلية إذ «يتستر» كل منهما على الآخر... ولكن انكشاف المستور بات وشيكاً، والمادة (45) لن تحمي أي وزير يقوم بمثل هذه التصرفات كما حصل سابقاً في قضية التقاعد.
وأما التبرير الغريب المبتكر حديثاً فهو «التكليف بمتابعة مشروع معين»، وخلاصة هذا العذر: إن المدير أو الرئيس أو الضابط مناط به متابعة مشروع معين، ومن غير الممكن أن «يطلع على المعاش» إذ إن المشروع سيتعطل!
والمحير في الأمر ان أحد النواب المحترمين أقام الدنيا ولم يقعدها من تصرفات أحد الوزراء (ولن أذكر اسم النائب أو الوزير، فالنائب ليس بجمال يوسف (ع) حتى «نلعلع» باسمه في الصحافة والوزير عبد لله، وينبغي الستر عليه لأن الله ستار ويحب الستارين)... المهم، تأكد لنا أن «صاحب السعادة» هو ممن يمارسون الفساد السياسي، إذ قام بتوظيف أحد أقربائه من دون المؤهل المطلوب في أحد مرافق الدولة التي تتطلب شهادة عليا، بل زاد على ذلك قيام الوزير بتوظيف قريبة النائب المحترم جداً وهي حامل في شهرها التاسع!؟ ولن يتمكن سعادة الوزير من أن يقيم علينا حجة في مشروعية هذا التوظيف إلا إذا كان إنسانياً لتوفير مصاريف «حساء وجلاّب» النفساء العاطلة!
... ونائب آخر قال لوزير آخر: لن أسألك عن ذنب اقترفته في الوزراة إن قمت بتوظيف عدد من «عيالنا»... فهل هناك أكبر من هذا الفساد!؟ والظاهر ان السياسة الشعبية الدارجة هذه الأيام هي سياسة «شيلني واشيلك».
الوزراء والنواب مطلوب منهم أن يمارسوا دورهم على أكمل وجه، فالوزراء مسئولون أمام القانون عن تصرفاتهم، والنواب معلقة في أعناقهم مصالح البلد لأنهم ضمير الأمة. وعليهم مراقبة تطبيق القوانين، والسؤال عن اسباب الاستثناءات المتتالية للكائنات البشرية المحنطة على كراسيها كالمومياء؟!
هذه التصرفات النيابية والاستثناءات الوزارية لا تخدم استكمال بناء دولة القانون التي اشار إليها جلالة الملك، وعبّرت عنها قرارات سمو رئيس الوزراء، كما أكد ضرورة تجديد الدماء فيها سمو ولي العهد. دولة القانون هي طموح شعب البحرين المنزعج جداً من مشاهدة الديناصورات على أرضه على رغم انقراضها
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ