تلتئم في المنامة القمة 25 لدول مجلس التعاون الخليجية، مسيرة ربع قرن من الآمال والآلام... من الإنجازات والتراجعات... إلخ. وأمام كل قمة يحاول البعض أن يجتهد في الخروج ببعض الدروس فيبادر إلى القيام بجردة يحاول فيها الخروج بحصيلة المنجزات والإخفاقات ويسعى إلى تسليط الضوء على الخلفيات والمسببات وراء كل واحدة منها.
لكن من دون الحاجة للغوص في تفاصيل مثل تلك المسيرة من الممكن ان نشير إلى ان نجاح أي مشروع توحيدي أو حتى تنسيقي مبني أساساً على المال والأعمال والاقتصاد، هذا ما تعلمنا إياه تجربة توحيد الولايات الأميركية السريع القسري والعسكري وكذلك التجربة الأوروبية المبنية على الحوار والإقناع. كلاهما وحدته مشروعات المال والأعمال وليس الرغبة والآمال.
ففي غياب مصالح المال والأعمال تتحول المشروعات الوحدوية إلى شعارات رنانة للاستهلاك لدى البعض وأحلام وردية لدى البعض الآخر. وهذا ما تعلمنا إياه مشروعات الوحدة العربية التي يزيد عددها على العشرات خلال الخمسين عاماً الأخيرة من القرن الماضي. والتي إما بقت أسيرة الملفات التي دونت فيها، أو وأدت في فترة فصيرة من قيامها أو استمرت شعارات تلقن للأجيال في المناهج التعليمية. وفي أحيان تحولت إلى روايات هزلية ساخرة تتداولها الألسن.
ومشروعات المال والأعمال التي نتحدث عنها والتي نتوقع ان تكون لبنات تأسيس مشروع وحدوي خليجي ناضج وقابل للحياة والاستمرار والتطور، ليست تلك الضخمة التي تسيطر عليها وتديرها الدول والحكومات، بل لعل تلك ستكون أسوأ بداية، إذ سيكون المدخل السياسي هو الفصل والحكم وهو ما سيرجعنا إلى المربع الأول. المقصود هنا تلك المشروعات الصغيرة التي يديرها القطاع الخاص وربما المتوسط والصغير منه والتي يوجد منها العشرات إن لم يكن بالمئات في دول مجلس التعاون. هذه المشروعات بحاجة إلى لفتة من مثل هذه القمم، وأطر تشريعية - من دون أي تدخل سياسي - لتأطير خطواتها.
خطوات تنفيذ مثل هذه المشروعات تحمل في طياتها مكونات أفضل للنجاح وذلك للأسباب الآتية:
1- بعدها المطلوب عن مركز اتخاذ القرارات السياسية، ومن ثم فهي أقل عرضة لأية اهتزازات نابعة من خلفيات سياسية من شأنها إعاقة حركتها ومن ثم تؤدي إلى تعثرها.
2- ارتباطها بشكل مباشر بملاكها من جهة وأسواقها من جهة ثانية، تجعلها أكثر ديناميكية لاتخاذ القرارات وتنفيذها، كما ان قرب صناع قراراتها من الأسواق يزودهم بالمرونة المطلوبة للتفاعل مع تلك الأسواق بما يلبي مصالح الأطراف كافة.
3- عدم احتياجها لرأس مال كبير لتمويل عملياتها وأنشطتها، بل لربما تكون قادرة على تأمين ما يشبه التمويل الذاتي بفضل خبرتها وانتشارها الإقليميين من جهة وقصر دورة رأس مالها من جهة ثانية.
والإشارة إلى أهمية هذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا يعني إغفال العمل على تلك الكبيرة بل ينبغي ان تسير خطوات تطويرهما على نحو متواز، كما ان تغليب المال والأعمال على السياسة لا يعدو كونه ترتيباً في الأولويات وليس وضع أحدهما بديلاً للآخر، فهما في نهاية المطاف يتفاعلان بشكل تبادلي بدرجة يستحيل فصل أحدهما عن الآخر
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ