العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ

كلمة سر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من نصدق من الكلام المتعارض الذي يصدر عن مسئولين في الحكومة العراقية المعينة؟ رئيس الحكومة يتهم سورية بإيواء بعض رموز النظام السابق. وهذا البعض برأي إياد علاوي يدير شبكة المقاومة ضد المحتل. وزير الدفاع يتهم إيران بارسال مجموعات مسلحة تقوم بعمليات مقاومة ضد القوات الأميركية. وبرأي حازم الشعلان ان إيران هي الخطر الأول على العراق والعرب والمسلمين. رئيس اركان القوات الأميركية ريتشارد مايرز يتهم بدوره إيران وسورية وبقايا نظام البعث ومجموعة الزرقاوي بانهم يقفون وراء «الإرهاب» ويتفقون على تعطيل الانتخابات. السفير الأميركي السابق في البحرين نيومان اتهم أيضاً إيران وسورية وبقايا نظام صدام والزرقاوي بتنظيم عمليات «الإرهاب» في العراق.

مقابل هذه الاتهامات تصدر أحياناً تصريحات من مسئولين عراقيين تنفي وقوف إيران وسورية وراء تلك الأعمال، ويرجحون أن تكون من صنع جهات محلية.

هناك فعلاً «كلمة سر» غير واضحة المعالم في خريطة متعارضة من التصريحات، لا تتفق على موقف موحد أو معلومات مؤكدة. فكل ما يصدر غير موثق ويتضارب في أهدافه، ومن الصعب تصديقه نظراً لصعوبة الربط بين الزرقاوي وإيران أو بقايا نظام صدام وسورية. فالكلام المرسل على هذا المستوى من الصعب تسويقه في المنطقة العربية - الإسلامية لأن الرأي العام يعرف جيداً مدى الخلافات السياسية والايديولوجية بين دولة إيران وتنظيم «القاعدة» وتفرعاته. كذلك يعلم الرأي العام أن نظام بغداد السابق كان يعتبر من الد خصوم دمشق، وخاض معارك دموية طويلة ضد طهران.

فهذا الكلام من الصعب قبوله من دون فحص وتدقيق كذلك يستحيل على الرأي العام العربي - المسلم قبول اتهامات تحاول الجمع بين متناقضات يستحيل توافقها على سياسة واحدة وموحدة. فالرأي العام يدرك أن مثل هذا الكلام الملقى هنا وهناك ليس هدفه المنطقة العربية - المسلمة، وانما يقال لتسويقه في الولايات المتحدة وأوروبا في مجتمعات لا تعرف أن تميز بين ألوان القوى السياسية في المنطقة. وكذلك الرأي العام لا يملك معلومات وافية تسعفه على التدقيق في تلك الاتهامات. فالكل عنده سواسية ومن صنف واحد. فالأميركي لا يميز بين سياسات إسلامية ولا يعرف أن هناك استحالة للجمع بين طهران مثلاً وبقايا نظام صدام أو بين إيران والزرقاوي.

إلا أن تصريحات المسئولين العراقيين المتهالكة والمتعارضة تصب في النهاية لخدمة اغراض إدارة البيت الأبيض الذي يستخدمها في إعلامه للترويج إلى سياسته الخارجية وضرورة وقوف الناس مع واشنطن في مواجهة «حلف جهنمي» ينظم ويقود العمليات الإرهابية ضد قوات بلده في بلاد الرافدين.

وظيفة تلك التصريحات التي يطلقها بعض أعضاء الحكومة العراقية أنها تعطي دفعة للسياسة الأميركية، ومادة يمكن أن تستخدمها واشنطن لإعادة تسويقها لدى الرأي العام الأميركي في الداخل.

هذا الجانب مفهوم لقراءة تلك الالغاز التي هي أشبه بكلمات متقاطعة ومتناقضة تهدف في النهاية إلى دفع الإعلام الغربي إلى البحث عن «كلمة السر» من خلال السير بين المربعات السوداء والبيضاء لمعرفة الطرف الحقيقي الذي يقف وراء تلك الأعمال.

إلا أن الجانب الآخر من المسألة هو غير مفهوم. مثل إصرار بعض المسئولين في الحكومة العراقية على نسيان الخطر الإسرائيلي والاحتلال الصهيوني ودور الموساد في افتعال أو تمويل أو تشجيع الكثير من الأعمال المشبوهة التي تؤذي المقاومة وتضر بالعراق ويستفيد منها الاحتلال. فالتركيز على اتهام إيران وسورية واهمال «إسرائيل» أو اسقاطها من الحسابات هو الأمر الذي يثير شبهات بشأن تلك التصريحات المتناقضة والمتهالكة. فالقول إن إيران هي العدو الرئيسي وهي الخطر الأول على العرب والمسلمين هو كلام مرسل وغير مقبول حتى لو استفادت منه واشنطن وروجت له أجهزة الدعاية الأميركية لتحسين صورتها في الرأي العام المحلي. فمثل هذا الكلام من الصعب ترويجه أو تسويقه في منطقة عربية - إسلامية تعاني الأمرين من الاحتلالين الأميركي والإسرائيلي. إلا أنه يتحول عند إدارة البيت الأبيض إلى مادة خام تقوم بتصنيعها أجهزة الدعاية الأميركية وتوظيفها في مراكز القرار المحلية والدولية.

انها فعلاً لعبة «كلمات متقاطعة» تقوم على مربعات متوازية عمودياً وافقياً، وهي تلهث في النهاية للبحث عن «كلمة سر» من الصعب ربط حروفها المتناثرة بين إيران وسورية والزرقاوي وبقايا نظام صدام.

المشكلة ليست في الكلمة وانما في «السر» الذي يراد منه ترويج مثل ذاك الكلام من دون اكتراث لمدى قابليته للتصديق. فالسر كما يبدو يريد استبعاد الشبهات عن جهات استفادت فعلاً من الفوضى في العراق، وترى في الفوضى مناسبة لتسويق اتهامات ومشروعات وهمية في وقت تستكمل «إسرائيل» خططها في الميادين العربية من فلسطين إلى العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً