في المقابلة مع أمين عام منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك) أحمد خليل المطوع أشار الى أن المنظمة الخليجية التي يشرف عليها حالياً بدأت قبل تأسيس مجلس التعاون في منتصف السبعينات من القرن الماضي وانها كانت خطوة شجاعة هدفت الى تنشيط القطاع الصناعي في دول الخليج العربية الست. ولكن المنظمة ضمرت لاحقا، وحتى عندما أصبحت جزءا من مجلس التعاون الخليجي لم تنشط كما كان مخططا لها.
المطوع أشار الى أهمية القطاع الصناعي في خلق الاستقرار الاقتصادي، لأن المنتجات الصناعية التي تصدر الى الدول الأخرى تعود بمردوداتها المالية بغض النظر عن الوضع السياسي المحلي. وضرب مثلا على كوريا الجنوبية التي تعاني محليا من مشكلات سياسية، إلا أن ذلك لا يؤثر على اقتصادها لأن المنتجات المصنعة في كوريا يتم تصديرها الى الخارج، ولا يحتاج المرء الى الذهاب الى كوريا من الأساس، ولذا لايضير كوريا وضعها المحلي كثيراً. الدول الصناعية الكبرى لديها نسبة من ناتجها المحلي يعتمد على الصناعة تتراوح بين 15 و25 في المئة، ولكنها تقول إن هذه النسبة تعتبر ضمانا يحمي مردودات القطاعات الأخرى، وخصوصا أن الصناعة تخلق أسواقا أخرى تعتمد عليها.
اما في الخليج فإن امامنا عدة عقبات. فمن جانب فان المدخول الناتج عن تصدير النفط يعطي سيولة نقدية وارباحا مباشرة وهذا خلق ثقافة «الربح السريع» لدى الحكومات الخليجية، بينما الصناعة تعتمد على خطط بعيدة المدى وتعتمد على مردودات ربحية أقل بكثير من مردودات النفط. اضافة الى ذلك، فان القطاع الخاص يسيطر عليه التجار، وهؤلاء متعودون على الربح السريع أيضاً لأن تلك عادة سمة المتاجرة بالسلع.
اما المصيبة الأكبر فهي العمالة الرخيصة الوافدة، التي أصبحت مرضا مزمنا. فبسببها يلجأ التجار وتلجأ الحكومات الى تدشين العمالة الرخيصة في المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، وهذا يعني ان الانتاجية ضعيفة لأن المكننة لم يتم تدشينها بالمستوى المطلوب (ما دامت الايدي رخيصة فلاحاجة للاستثمار في المكننة والتقنية). وهذا يعني ان المنتجات لا يمكن تصديرها عالميا لانها لا تستطيع منافسة المنتجات العالمية المعتمدة على التكنولوجيا المتطورة.
اضافة الى ذلك، فإن الايدي العاملة الرخيصة لا توفر معيشة محترمة لمن يعمل فيها، والوافدون هم عصبها. وهذا يعني ان التصنيع لا يستفيد منه أهل البلد، لان بلادا مثل الصين انما تقوم بتشغيل المصانع لان مواطنيها يعملون فيها، ولذلك ينتج عن ذلك استقرار وظيفي. فالمواطن يبقى في وطنه، اما المهاجر فهو غير مستقر نفسيا واحتمال خروجه من البلد وارد تحت أي ظرف من الظروف.
التحديات امام مجلس التعاون كثيرة، ومن المفترض ان القمة الخليجية الحالية تناقش قانون للتنظيم الصناعي الموحد لدول مجلس التعاون بالاضافة لمناقشة ورقة البحرين بشأن العمالة الوافدة التي أصبحت سرطانا يهدد مستقبل الخليج الاقتصادي والسياسي. وكما أشار المطوع في حديثه مع «الوسط» فإن وضعنا أصبح كالمريض الذي يحتاج الى عملية جراحية لكي يبقى ويعيش سعيدا. ونحن فعلاً بحاجة الى معالجة هذه المشكلة قبل أية مشكلة أخرى يبدو انها تهدد المجلس، ولكن الواقع يقول لنا إن المشكلة ماثلة امام أعيننا وهي بحاجة الى جرأة وشجاعة لمواجهتها... فهل نحن فاعلون؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 836 - الأحد 19 ديسمبر 2004م الموافق 07 ذي القعدة 1425هـ