العدد 835 - السبت 18 ديسمبر 2004م الموافق 06 ذي القعدة 1425هـ

إذاعة «سوا» و محطة«الحرة»... دجاجة تبيض ذهباً (2)

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

كان قرار إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش إطلاق قناة «الحرة» الموجهة للعالم العربي بعد أقل من عامين من 

ويتم إبلاغ المراسلين الصحافيين للحرة بأن لا يشيروا إلى الوجود الأميركي في العراق كاحتلال، بل بقوات التحالف، وإلغاء مصطلح المقاومة العراقية والفلسطينية والاستعاضة عنه بالإرهابيين، وفلسطين، بل حتى الضفة الغربية المحتلة تسمى «أراضي السلطة الفلسطينية»، كما أن الاستشهاديين يسمون بمفجرين انتحاريين وليس شهداء. كما أن برامجها تفتقد إلى الموضوعية ويبدو واضحا انعدام البرامج التي تتحدث عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي والعراقيين تحت الاحتلال الأميركي، وإن كانت توجد الكثير من البرامج التي تتحدث عن معاناة العراقيين في عهد صدام حسين، والمقابر الجماعية في عهده ولا تتحدث عن المقابر وعمليات القتل الجماعي التي تنفذها قوات الاحتلال في العراق.

وفي العراق فإن مراسلي الحرة «يركزون على المصالح الإنسانية والروايات الإيجابية، فعلى سبيل المثال فإنهم يقولون إن الكهرباء وصلت إلى ذلك الحي، ولكن لا يقولون إن هذا الحي لايزال من دون كهرباء».

وعلى رغم تنوع البرامج الحوارية من حيث اهتمامها بالوطن العربي فإن التركيز على العراق يبدو واضحا من خلال برامج مخصصة لتناول الأوضاع هناك، مثل برنامج «حديث النهرين» و«بالعراقي»، كذلك يوجد برنامج «المجلس» والذي يهتم بشئون منطقة الخليج. وبما أن القناة «حرة» وللأسماء دائما دلالاتها فإن البرامج تحمل أسماء «ساعة حرة» و«شهادة حرة» وذلك للعزف المستمر على نغمة الحرية وإغراء المواطن العربي بأهم ما يفتقده.

وتعترف جماعة الحرة بأنهم يجدون صعوبة في إقناع ضيوف بارزين للظهور في برامجهم ومقابلاتهم، إذ يرفض بعض السياسيين العرب الظهور في القناة أو أنهم ينتقدون إذا ظهروا فيها. ولقي أحد أعضاء البرلمان الأوروبي الذي ظهر في الحرة في شهر أغسطس/ آب الماضي انتقاداً لأنه ظهر في مواجهة إسرائيلي حسبما ذكرت «واشنطن بوست». وخلافاً للقنوات العربية فإن الحرة لا تنهي بثها بالتحية الإسلامية التقليدية «السلام عليكم».

وتبث الحرة من استوديوهاتها في سبرينغ فيلد وهي إحدى الضواحي القريبة من العاصمة الأميركية (واشنطن) إلى المنطقة العربية عبر قمرين اصطناعيين: نايلسات وعربسات اللذين يتيحا لها الوصول إلى 70 مليون مشاهد عربي في 22 بلدا عربيا، غير أن الأرقام التي تأتي من مصادر مستقلة تشير إلى أن أقل من أربعة في المئة من المشاهدين العرب يشاهدون برامجها الإخبارية. وادعى باتيز في ندوة معهد الشرق الأوسط بأنها تحظى على نسبة 29 في المئة من المشاهدين الأردنيين، و24 في المئة من السعوديين، غير أن استطلاع قامت به مؤسسة زغبي انترناشيونال لاستطلاعات الرأي العام في ست دول عربية رئيسية في شهر مايو/ أيار الماضي لحساب جامعة ميريلاند الأميركية أظهر أن الحرة بالكاد مسجلة كمصدر رئيسي للأخبار. ويذكر أن فتاوى ظهرت في السعودية تحرم مشاهدة الحرة وقالت إحدى هذه الفتاوى أن «الحرة مزودة بموظفين عملاء في خدمة أميركا». كما أن النقابات الأردنية دعت إلى مقاطعة قناة الحرة، وإذاعة سوا، وطالبت لجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع إلى عدم المشاركة في برامج هذه القناة. واعتبرت اللجنة أن التعاون مع قناة الحرة وإذاعة سوا يعتبر إقرارا ودعما لما أسمته «العدو الأميركي، ودولة الاغتصاب الصهيوني» واصفة إياها بأنها «أداة استعمارية جديدة تستهدف تلميع صورة أميركا أمام الرأي العام العربي والإسلامي».

ويقول بدران بدران، أستاذ الإعلام والاتصال «إن هناك حاجز سيكولوجي وهذا يؤثر على منظور الناس في التعامل مع الأسماء القادمة عبر المحيط الأطلسي» وأضاف إنه «ينظر إلى الولايات المتحدة نظرة سلبية».

وقد لاحظ مراقبون أن قناة الحرة التي فشلت في اجتذاب المشاهد العربي العادي لمتابعتها فهي قد فشلت أيضا في اجتذاب المثقف والسياسي الوطني العربي من خلال شعارات الديمقراطية والحرية، إذ تقاطعها شريحة مهمة من النخبة العربية، إلا أنها نجحت في اجتذاب عدد من مثقفي وأنصار «المجتمع المدني» وحقوق الإنسان وكذلك نجحت في استقطاب من يزالون يحلمون بالنموذج الأميركي، الذين كما يبدو هم الذين تهتم بمخاطبتهم الحرة والذين لا يتعدى تأثيرهم إلى خارج نخبتهم.

وتقول مصادر مطّلعة أن ظهور بعض الشخصيات السورية في برامج الحرة أثار استياء الأوساط الشعبية والثقافية والسياسية في سورية وخارجها، وشكك البعض في سذاجة وبساطة قبول البعض ومبرراته للظهور على شاشة الحرة في الوقت الذي تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات على سورية وتحتل العراق وتدعم العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وقد لقي ظهور الشاعر شوقي بغدادي ورياض الترك على سبيل المثال على الحرة استهجان الناس. وقد نادى كتاب ومثقفون وسياسيون مصريون بضرورة مقاطعة الحرة «التي تفوح منها رائحة البارود والدم». حتى كاتب هذه السطور لقي استهجانا واسعا لدى ظهوره لمرة واحدة قبل أشهر في برنامج «ساعة حرة» تناول ما يسمى «كوبونات النفط العراقي» على رغم موقفه الواضح الذي لقي هجوما من مقدم وضيوف البرنامج الآخرين.

يذكر أن بعض الصحافيين المصريين طردوا مراسل الحرة في مؤتمر صحافي في شهر فبراير/ شباط الماضي كما فوجئ مراسلوها برفض الكثير من الكتاب والأدباء المصريين لأي تواصل معها أو تسجيل حلقات معها ومنهم الروائي جمال الغيطاني، والروائي صنع الله إبراهيم والروائي إبراهيم أصلان، الذين حاولت إغراءهم بالمال كما يحدث مع من يقبل حيث كانت خصصت كما ذكرت مصادر، خمسة آلاف دولار لحديث مدته نصف ساعة.

أما مراسلوها في المنطقة العربية، فيؤكد مطلعون إلى جانب مشاهديها وهم قلة مقارنة بالفضائيات العربية الأخرى، بأن الغالبية العظمى منهم يفتقدون للكفاءة، والمؤهلات الإعلامية، حيث لم تستطع الحرة استقطاب كفاءات إعلامية عربية بسبب رفض هذه الكفاءات والأسماء المعروفة في الإعلام العربي، المغامرة بمستقبلها بالعمل لقناة لا تحظى ليس فقط بترحيب جماهيري بل تستقبل بعداء في المنطقة.

فمراسلها في سورية كما هي الحال في الكثير من العواصم العربية، هو ذاته مراسل شقيقتها «راديو سوا»، وفي العراق كان عماد الخفاجي، الذي عمل مديرا لمكتب سوا في بغداد، وكان يعمل سابقا في صوت أميركا، وهو الآن قد تفرغ لعمله الجديد في الإنتاج التلفزيوني حيث أن «الحرة» هي من بين زبائنه.

وتقول مصادر مطلعة داخل قناة الحرة بواشنطن إن مجدي حلبي مراسل الحرة في الكيان الإسرائيلي تم تعيينه بتزكية من بيير غانم، مدير غرفة الأخبار في الحرة، الذي كانت تربطه مع حلبي علاقة قديمة تعود إلى أيام الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف 1982، إذ كان حلبي مجنداً في الجيش الإسرائيلي بينما كان غانم ضابط ارتباط قوات الكتائب للتنسيق والاتصال مع الجيش الإسرائيلي.

وخبرات مجدي حلبي وهو من بلدة دالية الكرمل الدرزية الفلسطينية قضاء حيفا، إضافة إلى خدمته في جيش الاحتلال الإسرائيلي ثلاث سنوات، أنه عمل بعد تركه الخدمة العسكرية، كمراسل للتلفزيون الإسرائيلي لمدة عشر سنوات، ويستقي حلبي معلوماته خلال عمله الحالي مع الحرة من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ويبعث بها الى بيير غانم الذي يعتمدها أساسا في سياسته التحريرية للنشرات الاخبارية.

أما مراسلة الحرة في رام الله، وهي فاتن علوان فإن تقاريرها كما يقول منتقدون تتميز بالضعف، فيما تفتقد للمعرفة السياسية والمعلومات العامة، ما يسهم في تدني المستوى المهني، وسبق لها أن عملت لفترة قصيرة مراسلة لتلفزيون البحرين.

ويعزو مطلعون على الطريقة التي تسير بها أمور «الحرة» في واشنطن، سبب ضعف أداء الحرة المهني أيضا إلى تدني المستوى المهني لفريق التحرير ذاته الذي لا يحسن الاختيار ولا يجيد التقييم وأن المؤهل الأساسي للعمل في الحرة كما يبدو «العداء للقضايا العربية القومية» إذ يلاحظ أن معظم العاملين فيها يتميزون بذلك، ويقال أن أكثر من نصفهم من بلد عربي محدد وطائفة محددة، بل إن بعضهم كان ينتمي إلى القوى الانعزالية في لبنان ذات الارتباط بإسرائيل، وقاتل في صفوفها.

أما مقدمو برامج الحرة السياسية فحدث ولا حرج، فهناك زياد نجيم طبيب الأسنان اللبناني (ماروني)، كما يقول عن نفسه، الذي فضل امتهان الإعلام في قناة «إم تي» في اللبنانية والذي استقطبته الحرة بعد أن أغلقتها حكومة رفيق الحريري، يقدم برنامجا حواريا بعنوان «ساعة حرة» متخما بالعداء لكل ما هو وطني عربي وحتى إنساني، وهو يحاول أن يسوق في برنامجه السياسة الأميركية بشكل مباشر وفج يبعث على اشمئزاز حتى بعض المتحمسين للديمقراطية الأميركية. ويقول مطلعون أن ضعف إلمامه بأبجديات علوم السياسة والمعرفة بقضايا الوطن العربي يجعله في إدارته للحوار خاضعا لتوجيهات «غرفة الرقابة»، تقول مصادر من داخل المحطة أن موفق حرب كان أحد موجهيه.

أما زميله سام منسي (ماروني)، الذي يقدم برنامجا حواريا بعنوان «الجهات الأربع» فهو شبيه بنجيم لكنه يظهر تفوقا عليه في إخلاصه وتحمسه لسياسات الحكومة الأميركية، ولا يفوقه تحمسا سوى أحد ضيوفه الدائمين في البرنامج وهو مدير مكتب الحياة بواشنطن، سلامة نعمات. ومنسي هو الآخر كان يعمل مع حزب الكتائب اللبناني في مركز دراساته (سابقا) المعروف باسم «بيت المستقبل» الذي أسسه أمين الجميل.

وتضم قناة الحرة الكثير من مخلفات «إم تي في» فهناك هيام ابوشديد التي تقدم برنامجا باسم «جدل حر» وهو الابن الشرعي لبرنامجها القديم بعنوان «جدل» الذي أضافت له «حر» تيمنا باسم الحرة.

أما توفيق جبران (ماروني) الذي كان يعمل في قناة أبوظبي الذي استغنت عن خدماته فهو يقدم مع جيهان منصور برنامج «ماغازين» (مجلة) وهو توليفة أخبار فنية وطريفة تقدم باسلوب ممجوج وممل. ويظهر جبران في حركاته وهيئته وحديثه كم هو مغرم بنمط الحياة الأميركي، أما البرنامج الحواري من المغرب فحدث عنه ولا حرج.

ويتحدث موظفو الحرة في واشنطن عن شخص يقول بعضهم أنه «الأكثر أهمية بعد المدير موفق حرب» فالمترجم أكرم إلياس (ماروني) الذي يقول الموظفون أنه يتصرف في أروقة مكاتب واستدويوهات الحرة في سبرينغ فيلد وكأنه مالكها، هو وسيط كل شيء تقريبا في الحرة، فهو مقاول الترجمة، ومحلل وخبير سياسي، ومتعهد لإسكان موظفي الحرة بالعمولة، ومتعهد لمواصلاتهم من وإلى مبنى الحرة. وللعلم أن أكرم يعمل كمرافق مترجم للوفود التي تدعوها وكالة الإعلام الأميركية ووزارة الخارجية.

وعلى رغم الشكاوى المستمرة والانتقادات التي توجه إلى إدارة قناة الحرة، بضرورة تغيير أسلوب وسياسة العمل الإعلامي، ورفع مستوى وكفاءة العاملين فيها، إلا أن إدارتها مصرة على عدم تغيير الواقع المرير الذي تعيشه، إذ تؤكد مصادرنا أن أطول اجتماع يعقده موفق حرب مع العاملين لا يتجاوز دقيقتين. وهو الأمر الذي تعتقد المصادر ذاتها أنه يتناقض مع الغاية التي تريدها وزارة الخارجية الأميركية أو الجهة الممولة للمحطة وهي القدرة على المنافسة وتقديم مستوى يرتقي إلى مستوى المحطات العربية الأخرى التي يمتلئ بها فضاء الوطن العربي.

ولهذا تتوقع مصادر مطلعة أن تشهد «الحرة» قريبا تغييرات داخلية، خصوصاً مع بقاء الجمهوريين يمسكون بالبيت الأبيض والكونغرس، فهناك مسعى لتغيير رئيس غرفة الأخبار. وتعتقد المصادر ذاتها تعيين سلامة نعمات، المفضل لدى المحافظين الجدد في منصب مدير الأخبار في المحطة. كما أن هناك من يعتقد أن الكاتب مأمون فندي يسعى بدوره إلى ذات المنصب. ويذكر أن فندي الذي يشرف على مكتب صحيفة الشرق الأوسط السعودية في واشنطن، هو ضيف دائم على برامج الحرة السياسية

العدد 835 - السبت 18 ديسمبر 2004م الموافق 06 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً