اليوم يلتقي قادة دول مجلس التعاون وأمامهم قائمة طويلة لقضايا معقدة ليس أكثرها أهمية وتعقيدا - كما يبدو - قضيتا العراق وفلسطين. من بين تلك القضايا المهمة التي نأمل أن تحظى بالاهتمام الذي تستحقه، هناك مبادرة العاهل البحريني التي حملها القانون رقم 24 لسنة 2004 بشأن معاملة مواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فيما يتعلق بالنشاط الاقتصادي في مملكة البحرين. إذ نصت المادة 2 منه على أن يكون السماح لمواطني دول مجلس التعاون بدول مجلس التعاون الخليجية بممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية والمهن وفقا للضوابط التي أقرها المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته الثامنة.
من المتوقع أن تثير هذه المبادرة حركة جدل في صفوف ثلاثة قطاعات: الأول هو القمة الخليجية نفسها، والثاني هو قطاع مجتمع الأعمال البحريني، والقطاع الثالث هو المهنيين البحرينيين ذوي الكفاءات المهنية العالية.
بالنسبة للقطاع الأول، سيجد القادة الخليجيون أنفسهم أمام سألة محددة عليهم اتخاذ موقف منها. ونتوخى أن يكون المدخل للتعامل مع هذه المبادرة إيجابياً، فيبادر القادة ويعمموا هذه الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها البحرين ويشرعوا أبوابهم أمام بعضهم بعضاً. فهم اليوم ليسوا أمام شعار سياسي مطروحا للاستهلاك الجماهيري، إنهم أمام مشروع ملموس يضعهم جميعا على مفترق طرق طويلة، عليهم أن يحددوا اتجاه خطوتهم الأولى على واحدة منها. وهذه الخطوة سترسم ملامح كثيرة للصورة التي سيئول إليها مصير مجلس التعاون في المراحل القادمة. فالكتل الاقتصادية ذات الثقل المالي، وليس الدول القبلية المتفرقة هي المنحى الأساسي للعلاقات الدولية المعاصرة، وهي التي تحدد موقع ومصير أي بلد على خريطة العلاقات الدولية الراهنة.
أما بالنسبة للقطاع الثاني وهو مجتمع الأعمال البحريني فمن الطبيعي ان تثير هذه المبادرة بعض المخاوف لديه، وهي مخاوف قائمة ومشروعة، فهو سيجد نفسه في تحد مباشر ومنافسة شرسة مع قوى تفوقه من حيث القدرة المالية وتسبقه على مستوى الخبرة الميدانية، ناهيك عن العلاقات المفضلة التي تملكها مع بيوت الصناعة والمال العالمية بفضل حجم الأسواق المحلية التي تعمل فيها مقارنة مع السوق البحرينية.
هذا التحدي، إن هاب قطاع الأعمال البحريني مواجهته فقد يجد نفسه مهمشا وخاضعا لسيطرة الأموال التي قد تتدفق على السوق البحرينية وتنافسه في عقر داره. وبالمقابل إن قبل هذا القطاع خوض التحدي فهو مطالب، أكثر من اي وقت مضى، بالبحث عن الوسائل والأساليب التي تؤهله للاستفادة من هذا التحدي وتحقيق أفضل النتائج الإيجابية له كقطاع وللبحرين كدولة.
أما بالنسبة للقطاع الثالث فعليه ان يستفيد من هذه المبادرة، متى ما كتب لها النجاح في دول مجلس التعاون الأخرى، كي يغادر مواقع الكمون والرغبة في الاستقرار المحلي غير المبرر وينطلق نحو الأسواق الخليجية الأخرى ويخوض معارك التنافس ليس ضد الكفاءات المحلية فحسب وإنما حتى ضد تلك المهارات الوافدة.
وإلى ان تحسم الحوارات في صفوف تلك القطاعات لا يمكننا إلا أن نقول إن المبادرة البحرينية كانت جريئة ولا تستحق الإشادة فحسب، وانما بانتظار ان تتحول من قرار محلي إلى سياسية إقليمية تشمل كل دول مجلس التعاون
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 835 - السبت 18 ديسمبر 2004م الموافق 06 ذي القعدة 1425هـ