في منتصف الشهر التاسع أعلن رئيس طاقم حملة فيكتور يوتشنكو الانتخابية ألكسندر زيفجينكو أن مرشح الرئاسة المعارض تعرض لعملية تسميم، ومنذ تلك اللحظة تلاقفت وسائل الإعلام الخبر ثم بدأت موجة من الافتراضات عن حالته الصحية وأسباب التغييرات التي ظهرت على وجهه. وبادر المعارضون له في الحال إلى حملة أخرى تستهدف تغيير مسار الحملة الإعلامية التي بدأت تلمح إلى وقوف جهات معينة في الحكومة وراء محاولة تسميمه، إذ أشاروا إلى أن سبب المرض الذي تعرض له شوتشنكو حصل بسبب إرغامه على تناول الكحول لمدة سنوات عدة.
وتقول مصادر المعارضة التي يقودها شوتشنكو إنه في ليلة 6 سبتمبر/ أيلول 2004 قضى وقتاً على مائدة العشاء بدعوة من رئيس جهاز المخابرات الأوكرانية ايهور سميشك وبحضور نائب الرئيس فولديمير ستاسيوك، وربما تعرض لجرعات من السم في هذه الجلسة، إذ يمكن خلط المادة السامة مع الأكل والمقبلات وكذلك السوائل بما فيها النبيذ والفودكا.
وذكرت زوجة شوتشنكو كاترينا لمجلة «زركالو نيديلي»، انها تتذكر جيداً تلك الليلة، «إذ جاء متأخراً إلى البيت بعد انتهاء الدعوة، وكالعادة قبّلته، وشعرت بطعم غريب على شفاهه كأنه طعم الدواء، ثم سألته فيما إذا تناول دواء، فنفى ذلك، بعد ذلك بدأ يعاني من وجع الرأس، وفي الصباح أخذ يتقيأ»، وبمضي الأيام بدأت حاله الصحية تسوء. وفي إحدى الليالي نقل إلى المستشفى النمسوي «رودلف فينزهاورز»، وهناك أشرف على فحصه طاقم مؤلف من 11 طبيباً.
أول تشخيص أشار إلى التهاب البنكرياس المعوي، ولكن الأطباء بدأوا يعتقدون أنه إما تسمم بنوع من السموم غير المعروفة أو أصيب بسلاح بيولوجي. وبالتدريج بدأ المرض يزحف عليه بقوة، وبحسب زوجته كاترينا فإن وجهه أخذ يتغير خلال عدة أسابيع.
وبعد مضي بعض الوقت، ومع انتشار خبر تسممه فتحت الجهات المعنية تحقيقاً قانونياً، وبعد أشهر أصدرت اللجنة التحقيقية بياناً أشارت فيه إلى عدم وجود مؤشرات على فعل إجرامي بحق شوتشنكو، كما أعلنت اللجنة البرلمانية أنه يعاني من مرض عضوي، بيد أن الأطباء النمسويين أعلنوا أنهم وجدوا في جسمه ما يعادل الألف مرة من مادة الـ «ديوكسين» السامة، وهذه النسبة تفوق المعدل العادي بعشرات المرات.
فقد أشار مدير المستشفى النمسوي ميخائيل زنيفر الذي أشرف على فحصه في هذا المستشفى إلى أنه لا يوجد أي شك في أن مرض شوتشنكو هو بسبب تعرضه للتسمم بمادة الـ «ديوكسين»، إذ إن جسمه يحتوي على الديوكسين بحجم ألف مرة أكثر من العادي.
و«الديوكسين» الذي شخّصه الأطباء النمسويون سبباً لتسمم زعيم المعارضة فيكتور شوتشنكو يعتبره الاختصاصيون «قمة السموم» أو كما تسميه الأدبيات العلمية الغربية «سوبر سم». وفي الواقع يوجد 200 نوع من سموم «الديوكسين» والمواد المشابهة له التي تحتوي على درجات مختلفة من السموم.
ويتكون هذا النوع من السم من خلال احتراق المواد العضوية بوجود مواد أخرى تحتوي على عنصر الكلور. ومن 17 نوعاً من الديوكسين التي تصيب الإنسان بالأذى والموت، يوجد واحد من أخطر هذه الأنواع ويدعى بـ «سفيكي ديوكسين»، والذي يرمز له بالحروف «تي سي دي دي»، واسمه مشتق من الحريق الذي نشب في أحد مصانع «سفيسو» الإيطالية العام 1976، إذ تسربت من المصنع كميات من «تري خلوريفينول» الذي كوّن باختلاطه مع الهواء سحابة من «الديوكسين»، ووصلت هذه السحابة إلى الأرض التي كان يعيش فيها نحو 220 ألف إنسان، وتسببت بعد بضع ساعات بظهور تغييرات على وجوه الأطفال تشبه التغييرات التي ظهرت على وجه شوتشنكو.
وأنواع الديوكسينات تظهر أيضاً أثناء حرائق الغابات أو التيار الكهربائي الطبيعي في الجو أثناء الشتاء، وهي تتسرب إلى جسم الإنسان وتستقر في أنسجته العضوية. وهي سامة أيضاً وتتسبب بالمرض وتكون عادة خالية من الطعم والرائحة
العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ