تقول لافتة صغيرة داخل فرع مصرف محلي: «سيحتسب دينار واحد لكل معاملة من داخل المصرف تقل عن 500 دينار». وقبل سنوات وفي مسعى بدا انه يتجه لتشجيع الناس على الادخار، قررت المصارف المحلية ان تفرض رسماً يبلغ 3 دنانير في الشهر عن كل حساب توفير يقل عن 50 ديناراً. والمبلغ نفسه عن كل حساب جار يقل عن 100 دينار. بعض المصارف الأجنبية تقتطع 10 دنانير شهرياً عن كل حساب يقل عن 300 دينار.
وعلى رغم اننا نحن الذين نختار ان نودع أموالنا في مصرف ما، فإن هذا المصرف يفرض علينا رسماً قدره دينار واحد عن كل ورقة من كشف الحساب المفصل. من نحن؟ نظرياً انتمي انا إلى الطبقة الوسطى وها انتم ترون انني على وشك ان افصل في الشكوى، لكن ماذا عن أولئك الذين لا يمكن ان تصل حساباتهم في المصرف إلى 500 دينار؟ أو حتى 300 دينار أو حتى 100 دينار؟
قلت انه مسعى لتشجيع الناس على الادخار، لكن في وجهه الآخر هو قرار يتعلق بالجدوى بالنسبة للمصارف. الجدوى في ان يكرس المصرف موظفين لحساب يقل عن خمسين ديناراً طوال الشهر. لا تسألوا من هم أولئك الذين يقل حسابهم عن 50 ديناراً طوال الشهر، لكن لنسأل ما الذي جرى.
وزارات حكومية طلبت من بعض المصارف المحلية إلغاء هذا الرسم، كما طلبت شركات أيضاً ولما تبين ان قراراً مثل هذا مرهون بقرار من مؤسسة نقد البحرين، قامت تلك الوزارات بإقفال حسابات موظفيها وعمالها الذين لا يمكن ان يبقى فيها 50 ديناراً حتى منتصف الشهر.
لقد تم تطبيق هذا القرار قبل سنوات ومازال سارياً حتى اليوم ولتصور آثاره على نحو أدق، ليس علينا سوى تنشيط ذاكرتنا بإحصاءات وأرقام متوسط الأجور سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص.
لم كل هذا العناء: أليس الفقر وتدني مستوى المعيشة هو حديثنا الوحيد طوال العامين الماضيين؟ هل نسيتم كل مشروعات المنح والهبات والعيدية التي جهد النواب في اقتراحها طوال هذا العام على الأقل؟ أليس هذا العام الذي يوشك على نهايته هو «عام الفقر» بامتياز لدينا. أو بالأصح «عام فتح ملف الفقر»... أو التسمية الأكثر وقعاً: «عام ماكينزي».
قبل نحو عامين، مدينة جديدة لفقراء قرى المنطقة الشمالية وفي آخر هذا العام بيوت لفقراء «حالة أبوماهر» وما بينهما كانت الصحف تطالعنا كل يوم بقصص تلك العائلات التي تنام في العراء أو في بيوت آيلة إلى السقوط وعن موظفين رسميين دخلوا خانة الفقراء.
على رغم هذا لاتزال المصارف تتعامل وكأن متوسط الأجور لدينا 1000 دينار من دون أي تضخم. وتبدو البلد وكأن المسئولين عن الشأن الاقتصادي فيها لا يقرأون سوى «الوول ستريت جورنال» و«الفايننشال تايمز» و«فوربس» وليس الصحف المحلية التي أصبح الفقر مادتها الكثيرة.
دينار واحد عن كل معاملة من داخل المصرف؟ يبدو هذا تشجيعا للناس لكي تستخدم اجهزة الصراف الآلي وتخفيف الازدحام داخل المصارف، لكن من هم أولئك الذين يلجأون لإنجاز معاملاتهم من داخل المصرف؟ المعاملات التي تقل عن 500 دينار؟ انهم الأمهات المسكينات والآباء الأميين الذين يحملون دفاتر حساباتهم ولا يعرفون من الأمر سوى التحقق من المبالغ التي يطلبون سحبها أو إيداعها ومن ثم يبصمون بالإبهام. على هؤلاء ان يقبلوا بخصم دينار واحد عن كل معاملة لهم من داخل المصرف نظير ثقتهم في المصرف وإيداع أموالهم فيه.
وعلينا نحن أبناء الطبقة الوسطى عندما نراجع حساباتنا التي اودعناها بعامل الثقة نفسه في هذا المصرف من دون الآخر، ان نقبل باقتطاع دينار واحد عن كل ورقة إذا ما طلبنا ان نعرف ماذا جرى لأموالنا المودعة في المصرف خلال شهور. يبدو هذا أقرب للعقوبة على اختيارنا لهذا المصرف ولا ندري لماذا ندفع ديناراً لورقة لن يصل سعرها في أحسن الأحوال إلى أكثر من 100 فلس لكأنما سنقوم بوضع اطار لها كما الصور للذكرى وتعليقها على الحائط.
وعلى رغم ان الواجب يقتضي علي ان انوه بالمبالغ السخية التي تقدمها معظم هذه المصارف في مسابقات السحب الشهري والربع سنوي والسنوي، فإنني لا أجد مناصاً من القول ان هذه مصارف لا ترحب بالفقراء ولا تفعل شيئاً لتشجيعهم على الادخار سوى ان تبيعهم حلم الفوز في يوم ما بمبلغ يداعب الخيال
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ