العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ

«الصحافيون» قضاة كاشفون للحقيقة

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

عادل مرزوق

«الصدق والحقيقة هو ما تتوقعه منا، والاحترام والتقدير ما نحتاجه منك». 

المجتمع المدني هو مجتمع مؤسسات، وهذه المؤسسات لا تسعى الى أرضنة هذا المجتمع في اشتغالاتها السياسية او الثقافية او الدينية، او السيطرة على عقله وتفكيره، أو تحديداً الساذج لألوياته ومستقبله، بل إن من واجبها أن تحاول بث الرموز المجتمعية في صور محايدة لا تدعي التمثيل الكلي والنهائي للمجتمع. إذا ما نجحنا في إنشاء المؤسسات السياسية في الدول النامية وتناسينا فعلا آليات العمل السياسي المدني، نكون بذلك مجازفين بالحديث عن أننا حققنا لذواتنا مجتمعا مدنيا. وإذا ما كانت الصحافة جهاز ترضية وتعزيز مواقف فإننا لا نفقد الصحافة المدنية وحسب، بل نفقد انفسنا ومستقبلنا.

إن محاولات السبر في الخطاب السياسي محاولات جذابة، وفي الوقت ذاته مؤلمة، تحتوي الكثير من النتائج التي لا تستطيع معها أن تدعي أنك سياسي تعيش في بيئة الإلتقاء السوي بين الحقول السياسية او حتى المجتمعية بشكل اكثر إطلاقا. وتبقى الصحافة المدنية لاعبا رئيسيا في صوغ هذه الحال من التسوية بين المؤسسات المدنية، او أنها بالحقيقة مؤسسة الضبط المجتمعي للمخرجات السياسية. هي الحارس لحقوق المواطن الضعيف الذي لا يصل صوته لأعلى الهرم، أو السيدة التي بح صوتها ولم يسمعها أحد.

لا أريد ان أقول ان الصحافة المدنية هي بالتحديد الضيق مشتغلة بالسياسة وحسب، بل هي ذلك الجهاز الذي تقع على عاتقه مسئولية الإدارة الفعلية للسلطات المدنية الثلاث، الصحافيون قضاة مجتمع يحاولون تحقيق العدالة المجتمعية. هم خط الدفاع الأخير في المجتمع المدني، بل إن الصحافة هي حقيقة المجتمع المدني. لذلك ترى ان ابرز التحولات السياسية المدنية تبدأ في الصحافة ولا تبدأ في أي من مؤسسات المجتمع الاخرى كالدولة او السلطة التشريعية او القضائية.

ما دامت الصحافة تشتغل بالسياسة، لابد ان انحاز هنا تحديداً الى تعريف الصحافة بانها عمل سياسي بحت، على الأقل في بعض الفترات من صراع المجتمعات النامية، سأجيب بنعم، لا يسعنا إنكار ان الصحافة عمل سياسي، وأن المشتغلين بالصحافة سياسيون، إلا ان الفارق البسيط هو ان الصحافة سياسة كشف وتوضيح وفهم ومعرفة، لا سياسة طرح او تنظيم أو أدلجة سياسية ضيقة. لابد من الإنتباه الى ان الصحافة المدنية محور رئيس في المجتمع المتحضر او الساعي نحو المدنية.

الصحافة لا تسعى الى التملق بالحقيقة الأخيرة في عقل القارئ، وهي لا تحاول فرض رأيها عليه، وهي لا تراهن على النجاح في رسالتها بان تمارس خداعه بالخبر او التحليل، والأهم هو إدراك ان الصحافة المدنية لا تقصد مطلقا ان تفكر نيابة عن المواطن، بل تكن كل الاحترام لاستنتاجاته، وتسعى لنقلها لباقي المؤسسات التي تعمل لصالحه. الصحافة المدنية هي ذلك الجهاز الذي يكشف له الحقيقة قدر الإمكان، هي ذلك الجهاز الذي يعطيه حقه في المعرفة بما يجري، ذلك الجهاز الذي يسعى ان يتأكد بنفسه بأن السلطات الثلاث تعمل كما يجب، وكما يريد ويرغب.

ليست الصحافة حزبا او جمعية سياسية تعمل تحت ستار الاوراق والاخبار، وإن كانت في كثير من الصحافة العربية أسوأ من ذلك، لابد ان يكون المسبق الذي تنطلق منه عزيزي القارئ في فهم الصحافة بأنها ممثلك الشخصي، الذي يبحث معك عن الحقيقة والمعرفة بالحوادث، وأنها بذلك تمثل رغباتك وتطلعاتك. في الوسط الصدق والحقيقة هو ما تتوقعه منا، والاحترام والتقدير ما نحتاجه منك

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً