كلما بدأ الآباء في تعليم أبنائهم تحمل مسئولية واجباتهم في سن مبكرة كان ذلك أفضل في تأثيره على شخصياتهم من ناحية تحمل المسئولية بالنسبة إلى ترتيب غرفهم أو واجباتهم المنزلية الأخرى أو الواجبات الدراسية... ومن ثم خلال مراحل حياتهم القادمة كرجال ونساء أو كآباء.
لاحظت الأم عند زيارتها لحضانة ابنها «حسام» البالغ من العمر خمس سنوات أنه يضع حقيبته في مكان مخصص لها، وعندما يلعب بألعابه مع بقية الأطفال فإنهم يتعاونون جميعاً في إعادة الألعاب إلى مكانها المخصص لها... حتى أن إحدى الأمهات بجنبها علقت قائلة «كم أتمنى أن أجعل طفلي يقوم بذلك في البيت».
وهذا ما كانت تعاني منه أم حسام عندما يعود ابنها من المدرسة فهو يرمي حقيبته في البهو ويخلع حذاءه... ويذهب فوراً إلى المطبخ ليأكل غداءه... ولا يأخذ صحنه إلى حوض غسل الصحون. وعندما يلعب بألعابه في غرفته أو غرفة المعيشة يتركها مبعثرة لمن يقوم بعده بترتيبها إما أمه أو المربية.
قالت الأم لنفسها: ها هو ابني يفعل ذلك في المدرسة ومعه بقية الأطفال كل يوم... فلماذا لا يقوم بذلك الواجب في البيت؟
وأدركت حقيقة مهمة تتلخص في أن المدرسة تحدد للطلبة واجباتهم... وعليهم أداؤها وإلا تحملوا عواقب أعمالهم السلبية، وبذلك تعودوا على القيام بواجباتهم بطريق تلقائية ومن دون تذكير... ولكي تجعل طفلها حسام يفعل في البيت ما يفعله في المدرسة لكي يدرك واجبه، فإن عليها أن تحدد له واجباته.
وهكذا قررت أن تفعل ذلك في البيت لكي يتحمل ابنها واجباته المنزلية والدراسية أيضاً. دخلت الأم على ابنها في غرفة المعيشة وهو يستعد للنهوض تاركاً ألعابه مبعثرة في الغرفة. قالت له « لقد لاحظت أنك في المدرسة تعيد ألعابك إلى مكانها»، رد حسام «طبعاً يا أمي... هم لا يدعوننا نفعل غير ذلك».
فكرت الأم... إذاً ماذا ينقصنا أنا ووالده... لماذا لا نضع له الحدود ونلزمه بها بحزم... لا أن نقوم بها بدلا عنه مثلما يفعل معظم الآباء وهم قادرون على القيام بها... وهم يقومون بها لاننا غير واثقين بأن في إمكان أبنائهم القيام بها، فنتحمل مسئوليتها... وهناك يكمن الخطأ في أسلوب تربيتنا لابنائنا... لانهم قادرون على أن يدركوا واجباتهم، ويستطيعون تحمل مسئوليتها حتى لو كانوا في سن الرابعة أو الخامسة... إذ إنهم يفعلون ذلك منذ سن الحضانة... في تلك الليلة قررت الأم أن تضع مكاناً مخصصاً لاحذية ابنها حسام، وقرر زوجها أن يقوم بعمل أرفف في المخزن لكي يضع حسام ألعابه فوقها عندما ينتهي من اللعب بها في غرفة المعيشة... وجلس الوالدان مع ولدهما وحددا الواجبات التي عليه تحملها.
حذاؤه يضعه في المكان المخصص له... وشنطته يضعها فوق الرف الذي جهزه الأب في المخزن القريب من المطبخ الداخلي المخصص أيضاً لالعابه... وعندما يأكل في غرفة المعيشة يضع الفضلات في الزبالة...
وحين سألاه ما إذا كانت لديه أية أسئلة، أجاب حسام «ماذا إذا نسيت القيام بأي من هذه الواجبات؟». أجاب الأب «هذه ليست مشكلة. ها أنت تتذكر كل شيء في المدرسة... لكنك إذا نسيت فسنعلمك... ولن تلعب بها مرة أخرى إلا بعد يومين... حتى تتذكر ذلك في المرة القادمة».
وسار الأمر بيسر وسهولة في الأيام الأولى... لان حسام كان قد تعود على تحمل مسئولية إعادة ألعابه ووضع حذائه وشنطته في مكانهما المخصصان لهما في الحضانة... إلا أنه حاول أن يختبر مدى جدية والديه بعد أسبوع، فوجد العقاب الذي حدداه له... والتزم بعدها بدوره المطلوب منه في المنزل.
إن معظم الآباء يقومون بواجبات أبنائهم في البيت من تنظيف مكان لعبهم إلى غرفهم بعد أن يثيروا الفوضى بها، وحتى واجباتهم يجلس معظم الآباء مع أبنائهم لحلها، وقد يحلون عنهم بعضها أو يقومون بعمل أبحاثهم أو الواجب المطلوب منهم القيام به من تجهيز لخرائط أو عمل مجسمات... وكأن ذلك من مسئوليتهم... وهم يضرون أبناءهم ولا يفيدونهم، لانهم لا يتحملون تلك الواجبات الخاصة بهم ولا يدركون معنى تحمل المسئولية عندما يكبرون
إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"العدد 834 - الجمعة 17 ديسمبر 2004م الموافق 05 ذي القعدة 1425هـ