العدد 833 - الخميس 16 ديسمبر 2004م الموافق 04 ذي القعدة 1425هـ

على المسلمين أن يصحوا من كبوتهم وسجالاتهم الطائفية

محمد حسين فضل الله:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

دعا العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، إلى اتخاذ إجراءات عملية في مواجهة الحملة المعادية للمسلمين والعرب في البلدان الغربية، محيياً موقف الأمين العام للأمم المتحدة الذي دعا إلى اعتماد استراتيجية لمواجهة التعصب ضد الإسلام.

وحذر سماحته من استمرار السعي لدى إدارات ومراكز دراسات غربية إلى تركيز العداء ضد الإسلام في نفوس الغربيين، مندداً بمقولة إن «الأزمات الكبرى في العالم ذات علاقة بالإسلام»، ومشيراً إلى أن هذه الأزمات انطلقت من المشروع الأميركي للسيطرة ومن دعم مشروع الظلم الإسرائيلي بكل امتداداته.

ودعا سماحته المسلمين إلى أن يصحوا من كبوتهم وسجالاتهم الطائفية ليتحسسوا حجم الحرب التي تشن ضد الإسلام.

وسئل في ندوته الأسبوعية عن الموقف الأخير للأمين العام للأمم المتحدة بشأن رفض التعصب ضد الإسلام؛ فأجاب: قد يكون من السذاجة بمكان تحديد تاريخ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بالحوادث التي ضجّت به وما أعقب هذه الحوادث، منطلقاً للعداء ضد الإسلام، وخصوصاً العداء المنطلق من الغرب، وإذا كنا لا نتحدث عن شمولية فيما هي النظرة الغربية للإسلام، فإننا نستطيع الجزم بأن التعصب ضد الإسلام في الغرب انطلق من خلال المدارس الثقافية المحافظة والاستعمارية، والمؤسسات الفكرية ذات التوجهات المعادية سلفاً وصولاً إلى وسائل الإعلام، وقبل ذلك كله لابد من الإشارة إلى الأعمال المعادية للمسلمين، سواء من خلال عقود الاستعمار المباشر أو من خلال السيطرة غير المباشرة.

وتابع: ولكن حوادث الحادي عشر من سبتمبر وعلى أساس خطة جرى رسم معالمها سابقاً وتمّت الاستفادة من هذه الحوادث لاحقاً ساهمت في ولادة مرحلة جديدة من مراحل الحرب ضد الإسلام، من خلال الأعمال المعادية للمسلمين في الغرب، أو من خلال الحروب التي شنت على غير بلد إسلامي، إضافة إلى الحرب الإعلامية والثقافية التي ركّزت خطواتها في مواجهة الإسلام كدين، والمفاهيم الإسلامية كخطوط ثقافية وعقيدية، والحرب على الإسلام كشريعة ومنهج حياة.

وقال: إن الممارسات العدوانية التي تنطلق في أكثر من بلد غربي ضد المسلمين، لا بل ضد من يتزيّا بزيّ يُعتقد بأنه لعربي أو مسلم، تدفعنا إلى الجزم بأن مسألة معاداة الإسلام هي جزء من المشروع المعدّ سلفاً ضدنا على أساس تقديم عدو جاهز للغربيين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً أن الصراع مع الأخير كان على أسواق العالم الثالث وموارده، وبالتالي فإن هذه الممارسات في كثير من تجلياتها تحظى بدعم الحكومات والدول التي تتم فيها، أو يُصار إلى غض الطرف عنها، أو لا تأخذ المحاكمات الطابع المسئول في ملاحقة هؤلاء، ليحظوا بنوع من التشجيع غير المباشر، أو ليكون ذلك بمثابة رسالة موحية لغيرهم بأن من الممكن تكرار مثل هذه الممارسات من دون عقاب عادل ورادع حيال من يرتكبها. ولقد رأينا كيف أن مسئولاً دينياً في أميركا يهاجم الإسلام بتعصب واضح ومن غير طريق النقد ويتحدث بسلبية عن النبي محمد(ص)، إضافة إلى مسئولين مدنيين آخرين وبعض الجنرالات من دون أن يرفع أحد صوته ليدين هذا العداء السافر للإسلام، أو ليتحدث عن وجود تصورات مسبقة وأحكام جاهزة ضد الإسلام لا ضد بعض الممارسات التي قد تصدر عن بعض المسلمين... ويتم ذلك في الوقت الذي يصدر الرئيس الأميركي تعليماته لملاحقة وإحصاء كل ما يتعرض له اليهود في العالم حتى على مستوى النقد، إلى الدرجة التي يُصنّف فيها أي نقد للممارسات الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين كعمل من أعمال معاداة السامية.

وأضاف: ونحن هنا نريد للفاتيكان الذي استشعر بأن ما يسمى الحرب ضد الإرهاب تؤثر سلباً في المسيحيين وترتد عليهم، أن ينطلق بموقف قوي، وجنباً إلى جنب مع المسلمين والمواقع الحوارية فيهم، لمواجهة ذلك لحساب الموحدين في العالم في مواجهة المستكبرين والمتسلطين على البشرية... ونحن نحيّي موقف الأمين العام للأم المتحدة الذي حثّ فيه على وضع استراتيجية لمواجهة التعصب ضد الإسلام وأعمال معاداة الإسلام، لجرأته من حيث كونه الموقف الوحيد الصادر عن شخصية لها موقعيتها الدولية، ولأن هذا الموقف يؤشر إلى المدى الذي وصلت إليه الأعمال المعادية للمسلمين في الغرب وإلى مستوى الاضطهاد الذي يتعرضون له في كثير من البلدان الغربية، ولأنه يُشير أيضاً إلى مدى الاستخفاف في هذه البلدان بالإنسان العربي والمسلم، الأمر الذي يستدعي تحركاً دولياً لحماية هذا الإنسان وعدم التأثير في اعتقاداته واقتناعاته.

وأردف: ولكننا في الوقت نفسه ندعو إلى ما دعا إليه الأمين العام للأمم المتحدة من إنفاذ القانون واتخاذ الإجراءات التي تحول دون استمرار هذه الجريمة المزدوجة بحق الإسلام والإنسان المسلم والعربي في كثير من البلدان، حتى لا تبقى المسألة في نطاق الإدانة اللفظية، لأن المشكلة هي أن القضية عندما ترتبط بالمسلمين أو العرب، فإنها لا تخرج عن طور المواقف الكلامية. أما عندما تتعلق بـ «إسرائيل» أو اليهود، فإن العالم الغربي بمعظم إداراته يحمل سيف القانون بيد وسيف الإعلام باليد الأخرى، ليضع المسلمين كلهم في موقع الإدانة، وليلوح بعنوان الإرهاب في مواجهة الواقع الإسلامي والعربي في شكل شامل.

وخلص إلى القول: إننا نحذِّر من استمرار السعي لدى إدارات غربية بكاملها ومراكز دراسات موجهة إلى تركيز العداء ضد الإسلام والمسلمين في نفوس الغربيين لجعلهم يتقبلون الاستهداف المباشر للبلدان أو الشعوب أو الثروات والمواقع العربية والإسلامية، على أساس غسل الأدمغة بالمقولة التي يُروّج لها في كثير من المواقع الغربية بأن المشكلة هي في الإسلام، وذلك على قاعدة أن «الأزمات الكبرى في العالم ذات علاقة بالإسلام»، وليس على أساس أن هذه الأزمات انطلقت من المشروعات الغربية وخصوصاً المشروع الأميركي أو من حرص هؤلاء على دعم مشروع الظلم الإسرائيلي في المنطقة بكل امتداداته وتشعباته... ونريد للمسلمين أن يصحوا من كبوتهم المذهبية وسجالاتهم الطائفية ليتحسّسوا حجم الحرب التي تنطلق ضدهم جميعاً، لا بل ضد الإسلام في فكره وثقافته ووجوده.

وختم: إننا نشهد حركة نفاق كبرى في العالم بحيث يصنّف أي عمل معادٍ للإسلام ضمن «حرية التعبير» للجهة التي قامت به ويُصنّف أي نقد لـ «إسرائيل» على أنه معادٍ للسامية، ولذلك فإن المسألة تستدعي تحركاً إسلامياً وعربياً واسع النطاق وعلى أكثر من جبهة إعلامية وثقافية وسياسية ليصار إلى دعم طروحات الأمين العام للأمم المتحدة في هذا المجال ضمن خطة متكاملة، ولتبدأ ورشة إسلامية عالمية لتقديم الإسلام بصورته الحضارية للعالم في مواجهة محاولات تشويهه، سواء تلك التي تنطلق من الداخل أو تلك التي تأتي من الخارج، ولنباشر حواراً حضارياً مفتوحاً مع العالم وخصوصاً مع الغرب على المستويات كافة، لأن المشكلة قد تكمن في الآخر في جهله أو في أهدافه وخططه، وقد تكمن في جهلنا حيال الطرق التي لابد أن تعتمد للدخول إلى فكر الآخر بالأساليب العصرية التي يتقبلها الآخر ويقرها الإسلام... لابدّ لنا من أن نضطلع بهذه المهمة الكبرى ومن يقصّر فيها يرتكب جريمة أخرى بحق الإسلام قد لا تقل فداحة عن جرائم التشويه التي يرتكبها الآخرون

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 833 - الخميس 16 ديسمبر 2004م الموافق 04 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً