العدد 833 - الخميس 16 ديسمبر 2004م الموافق 04 ذي القعدة 1425هـ

مي آل خليفة: الثقافة مركب من المفردات المكتسبة

في أسرة الأدباء والكتّاب

العدلية - جعفر الديري 

تحديث: 12 مايو 2017

أوضحت الباحثة ورئيسة مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث الشيخة مي آل خليفة مفهومها لماهية الثقافة بقولها إن الثقافة كم تراكمي مكتسب غير الكم الآخر الموروث من خلال انتقال الجينات البشرية، فالثقافة مركب من المفردات المكتسبة تخص شعبا بعينه وتميزه عن الآخر.

وأضافت الباحثة التي كانت تتحدث في محاضرة لها بعنوان «عن الثقافة» بأسرة الأدباء والكتاب مساء الاثنين 14 ديسمبر/ كانون الأول الجاري «وهذه الخبرات تحتوي بداخلها بديهيات يدرك ذلك الشعب محتواها والناتج عنها وهي التي تعطيه احساسه بذاته وترسم الحدود لتصرفاته وتصبح لغته السبيل لنقل مكتسبات ثقافية ويحدد أيضا طريقة تفكيره النمط السياسي المسئول عنه وكيفية الحركة الجماعية والناتج عنها من ابداع له خصوصيته التي تميزه عن الشعوب الأخرى، لذلك نجد عملية التعليم أو التراكم المكتسب ضرورية لتمييز ثقافة عن أخرى كما يصبح نظام التعليم جزءا مهماً من عملية الاكتساب».

تحرك المكتسبات الثقافية

وموضحة أهمية التحرك المستمر للمكتسبات الثقافية قالت مي الخليفة «ان طريقة التعلم لها دور مهم أيضا في تشكيل الثقافة. ولكن مع ذلك لابد أن نقر بأن المكتسبات الثقافية لدى أي شعب تبقى في تحرك مستمر غير ثابت على عكس العملية التعليمية التي تصاب بالجمود، ونحن نفقد الكثير مما تعلمناه في حين تبقى مبادئ الثقافة لدينا في تغير مستمر بفضل المكتسبات ولكون الثقافة ناتج عن رؤية واضحة لمجموعة من الناس تعني لهم الأشياء ذات المعنى على رغم اختلاف تلك المعاني من ثقافة الى أخرى ومع هذا وعلى رغم التبسيط لمعنى كلمة الثقافة فإن العالم المتغير يعطينا اليوم معان جديدة وتفسيرات مختلفة تصبح بدورها موضوعا لجدل مستمر بين الشعوب والثقافات المختلفة في محاولة للوصول الى صيغة توفيقية بينها».

التفسيرات المختلفة للثقافة

وعن التفسيرات المختلفة لتحديد الثقافة أضافت «من هذا الجدل المستمر وكناتج طبيعي له تطالعنا تعريفات تحدد الثقافة بأنها صفة نقدر من خلالها بعض جوانب الآداب الانسانية والفنون والموسيقى في حين يحاول بعض علماء الاجتماع تفسير الثقافة بكونها سلوكا مكتسبا لمجموعة بشرية بذاتها من دون أخرى وبأن اكتساب الثقافة عملية ذهنية قابلة للضياع في أحيان كثيرة حين تختفي العمارة الميزة مثلا واللغة الخاصة ويتعذر فهمنا لثقافة سابقة. وقد نستطيع دراستها من الآثار والنماذج العمرانية كما يحدث معنا في دراستنا لحضارة دلمون مثلا، بينما قد يعتبر البعض أن الثقافة تقع ضمن اطار اللغة الواحدة فقط، وهنا لا بد أن نؤكد أن الأقليات الوافدة الى ثقافة أخرى لا تفقد الأسس الثقافية من المجتمعات التي انتقلت منها لذلك تطالعنا التعددية ولو لفترة زمنية محددة ضمن الثقافة الواحدة وان كانت في غالبية الأحيان تتلاشى مع الوقت في ثقافة أكبر هي ثقافة الوطن الجديد، وعلى رغم تباعد المسافات في السابق بين الحضارات الانسانية فلا شك أن ثقافة الانسان وبصورة تلقائية وصلت الى نوع من الاتفاق ويبدو أن وصولها الى ذلك جاء نتيجة لحاجة المجتمع أو الثقافة المتميزة إلى أسس أو خواص تقوم عليها».

والى ذلك أردفت الباحثة «ويبدو أن الشعوب المختلفة اتفقت على مفردات لغوية تشكل جملا يستطيع أن يدركها العقل في ثقافة محددة ويستخدمها الانسان في مصطلحات تدل على الجنس والعمر الزمني كما توصل الى ضرورة تكوين أسرة كوحدة أساسية للمجتمع أو بحضارة معينة للحفاظ على خصوصيات تلك الأسرة ووضع طريقة خاصة لتربية الأطفال وتحديد الفرق بين الجيد والسيئ والوصول الى ضرورة وجود الفرق القائد سواء كان ذلك على مستوى الأسرة والمنطقة أو الدولة».

احتياج العالم إلى المؤسسات

وخلصت الى القول «انه وعلى رغم المظاهر المتمثلة في الثقافات المختلفة احتاج العالم الى مؤسسات كالأمم المتحدة لتقوم مقام المرجعية النافذة في تحديد الاختلاف ومراعاته بين الثقافات الانسانية ولكن لو نظرنا الى واقع السياسة الكونية فسنجد العالم ومن منطلق ثقافي قد أصبح قطبين كبيرين الأول هو أوروبا والولايات المتحدة والثاني هو بقية العالم بأسره من دون تحديد ثقافة أو بلاد بذاتها وبنظرة فاحصة ودقيقة فإن تلك الثقافات الأخرى وجدت نفسها في صراعات قبلية وذهنية في حين أننا نسمع ونقرأ عن الجزء الهادئ والآمن من العالم والأجزاء الأخرى المضطربة.

وهنا علينا أن نقبل بالتعريف الاسلامي القديم بأن العالم داران، دار أمان ودار حرب وعلينا أن نقبل بأن نصيبنا الآن هو الحرب بعد أن كانت خارج حدود ديارنا ونصبح في خانة الشعوب المسماة بشعوب العالم الثالث على رغم ثرواتنا وعلى رغم الكفاءات الموجودة لدينا ومثل غيرنا أصبحنا معرضين لغزو اقتصادي وثقافي وأحيانا عسكري نحاول أن نقاومه بعد أن فقدنا كل قدراتنا بالالتزام بالاسلام السياسي الذي أصبح اليوم بديلا لأي حوار ثقافي وظاهرة استبدلنا بها النضال الوطني الذي قامت به النخبة ضد الاستعمار بحركة دينية مسلمة شملت بسبب انتمائها الى الدين ثقافات كانت مغايرة لنا مثل إندونيسيا، تركيا، الشيشان وكرواتيا ووجدت حكوماتنا نفسها مضطرة في البداية إلى مسايرة تلك التنظيمات والاعتراض على التدخلات الأميركية الأوروبية في الدول الاسلامية واستخدامها لمعايير مختلفة مع «إسرائيل» والدولة اليهودية».

المداخلات

في المداخلات تساءل الكاتب عبدالنبي العكري عن اللجوء الى الاسلام كهوية جماعية والذي ذكرته الشيخة مي وهل أن المقصود هنا الاسلام كدين، «فاذا كان كدين فانه لا أحد خرج عن الاسلام لكي يرجع اليه هذا الى جانب كوننا عربا فان هناك أدياناً أخرى غير الاسلام وداخل الاسلام نفسه هناك مفاهيم مختلفة للاسلام ولكن مسألة الرجوع اليه كهوية لتأكيد هذه الهوية هل يقصد منها الرجوع إلى سالف أو سيرة الأجداد، ثم هل الهوية شيء ثابت أو متغير وهل نستطيع القول إن الهوية العربية مرجعيتها اسلامية كما كان يعيش الأجداد في عصر الأمويين والعباسيين أم أنها مسألة متغيرة ومتحولة وهل في ذلك تنكر الى الهوية الأصلية».

أما الباحثة منى عباس فضل فتساءلت عن حال التشويش والتشويه الفكري وعدم معرفة ماذا نريد وهي الحال التي أشارت اليها الشيخة مي وهل أنها تعبر عن كلام مطلق اذ تعتقد فضل أن هذه المسألة راجعة الى تبسيط مسألة المثقف الملتزم المتعلم ووعاظ السلاطين لأننا لو رجعنا الى وعاظ السلاطين على سبيل المثال فأنهم يعرفون بالضبط ماذا يريدون والى أين يتجهون فكل ما هنالك أن الضمير متروك في الخلف.

بينما أشار الشاعر أحمد العجمي الى نقطة مهمة حين أوضح أنه لا توجد هناك ثقافة واحدة، فداخل الثقافة ثقافات، فثقافة القمع موجودة فميكافيلي عندما نظّر الى كتاب الأمير نظر لثقافة القمع فالثقافة ليست طهرانية ومضيئة دائما، فهناك كتب في التعذيب، آليات وتكنولوجيا وهناك ثقافة الاجابات كما أن هناك ثقافة التنوير وبالتالي فعندما نتكلم عن الثقافة عموماً ونعطيها الجانب الطهراني أو نريد أن نوحد فسيكون هناك عدم دقة فلو أخذنا أي مجتمع لوجدنا أنه من الممكن فيه أن تتغلب ثقافة على ثقافة، فمجتمعنا مثلا تسودة ثقافة الاجابات واليقينية، ففي مدارسنا مثلا لا يعود التلميذ على كيفية صوغ السؤال وبالتالي فأي انسان لا يستطيع أن يصيغ سؤاله لا يستطيع أن يفكر إذ إنه يتلقى الاجابات دائما في المدرسة، في الجامعة وفي كل مكان. جانب آخر علاقة الثقافة بالسياسة فدائما يكون السياسي هو الذي يوجه المثقف لذلك يبجل المثقف هذا السياسي على عكس الغرب حين نلاحظ أن الأحزاب الغربية والدول تأتي بالمثقف لتستشيره، ففرنسا مثلا تأتي بمثقف يحارب في أدغال أميركا اللاتينية ويعتبر منشقاً لتستفيد من أفكاره في اعادة بناء الدولة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً