العدد 831 - الثلثاء 14 ديسمبر 2004م الموافق 02 ذي القعدة 1425هـ

الطريق إلى الموت

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

خطوة نثمنها لوزيرة الصحة ندى حفاظ بأمرها تشكيل لجنة للتحقيق في الواقعة التي راحت ضحيتها سيدة تدعى عقيلة يوسف كاظم بعد معاناة مع الألم من دون أن تتلق العلاج اللازم... وإن كان البحث عن الأسباب لن يرجع روحا استسلمت لبارئها وخلفت وراءها الحزن والحسرة في قلوب كل قريب منها... وهنا تتبادر إلى الذهن أسئلة لا تخلو من معاناة وألم تكبدتهما قلوب الكثيرين ممن شهدوا زهق أرواح محبيهم بيد من لم يتقنوا أصول مهنتهم: من سيعوضنا؟ وكيف سيعوضنا؟ ومن سيقتص حقنا ممن قتلوا فينا الفرح والسعادة؟

في كل يوم نسمع بحكاية قاتلة بطلها طبيب أو ممرض لم يتقن عمله، أو سافر بعيدا في حياته وأحلامه متناسيا الجسد المطروح أمامه بانتظار الرأفة والرحمة والخلاص من ألم دفعه إلى هذا المكان فأبى البطل أن يخرج منه إلا إلى المشرحة!

ما يتداول في الصحف بلا شك غيض من فيض... فكثيرون الحسرة أعمتهم حتى عن المطالبة بحقوقهم، واكتفوا بمقولة «إكرام الميت دفنه، وما كان قضاء وقدرا يجب التسليم به»... ولكن ما يصل إلى مسامعنا أحيانا هو شكوى من أطباء بعينهم، لم يرتكبوا خطأ واحدا، ولم يتلاعبوا بجسد واحد، بل أخطاء وأجساد من دون أن يواجهوا بالرادع أو يساءلوا كيف حصل ذلك؟ ومن المسئول؟... والجواب لا تعدمه ألسن من فارقهم أحبابهم وأهليهم عنوة ومن دون حيلة منهم: «كيف أقتص حقي ممن كان له ذراع قوي في اللجنة المحققة؟ أي إنصاف أرتجي وأي عدل وأنا لا أملك إلا أوراقا ختمت بشيء وفسرت بشيء آخر فطعن في صدقيتها واستبدلت المواقع بين الضحية والجلاد؟»!.

مجمع السلمانية الطبي، وهو ملاذ غالبية الشعب لتوسل العلاج والعافية... الصرح الوحيد الذي يزوره المئات كل يوم ويعدمون السبل إلى أي مستشفى آخر غيره كونهم لا يملكون المال اللازم دفعه حتى لفتح ملف... مجمع كهذا وبهذه الأهمية والحيوية كيف ينظر إليه وهكذا حكايات وجرائم قتل تحدث فيه كل يوم وبمختلف الطرق والوسائل؟ لا أبالغ إن قلت أنه أصبح كبيت الأشباح، الداخل إليه مفقود والخارج منه بلا شك مولود جديد!... وإن كان الوصف أطلقته أنا من مخيلتي فالمنطوي وراء كلماته هو لسان حال كل من كتب عليه القدر أن يزور هذا المجمع سواء لعلاج نفسه أو أحد من ذويه... مجمع تشم رائحة الموت منبعثة منه من على بعد أمتار، ومنذ أن تعقد النية على التوجه إليه لا يمكن أن تبارح «المعوذات» لسانك والابتهال إلى الله ليس بمن الشفاء علينا، ولكن بنجدتنا ممن سنكون تحت أيديهم ورحمتهم مستسلمين صاغرين لا ندري بما يجري ويدور حولنا!

وإزاء الحال هذه نعاود السؤال: من سيقتص حقنا من هؤلاء؟ بل من سيرحمنا من عنجهيتهم وحبهم للتلاعب بأجساد الآدميين؟...فالقضية لا تختص بجسد واحد سيق إلى القبر بطريق الخطأ... القضية تختص بأجساد شعب بكامله لها كل الحق عليه، وكانت الدولة أول من حمل على عاتقه مسئولية الحفاظ والدفاع عن هذا الحق فسلمها الشعب الجسد والروح باطمئنان تام حتى جاء من يبدل الأمان بالدم المسفوح هدرا من دون أن يردع أو يساءل! إذن، نحن نطالب بحق كفله لنا الدستور والقانون اللذين إن سولت لنفس أي أحد تجاوز بنودهما يحاسب ويعاقب.

وإن أردنا الإصلاح حقا، فالمسألة بحاجة إلى عزم وإرادة من المعنيين على تنظيف المجمع نفسه وجميع المراكز الصحية أولا باعتبارهم الأكثر روادا من المواطنين، من كل من تسمح له نفسه باللعب بالأجساد من دون واعز منه ولا ضمير، وبالتالي شوه سمعة مستشفياتنا ومستوى علاجنا الذي كان يشهد له بالكفاءة فأحاله إلى طريق للموت البطيء أو السريع... بحاجة إلى شطب سجل المحسوبيات و«الظهر القوي» الذي يستند إليه هؤلاء بكل ثقة فيتمادون في إهمالهم وغطرستهم التي نكون نحن ضحاياها بالدرجة الأولى... بحاجة إلى الوقوف على بواطن الخلل التي لا شك سيكشفها إصغاء لمواطن يسرد حكايته طالبا إقناعه بعدم وجود ثغرة ما أفضت بوقوع عزيز عليه في حفرة الموت على السرير الأبيض... بحاجة إلى تحقيق موضوعي يستند إلى ضمير حي وإثباتات لا يشكك أبدا في نزاهتها ولو بوخزة من قلب وإحساس حي، ولا نشك أبداً بأن من اعتلى صرح هذه الوزارة أهل بالمسئولية الملقاة على عاتقه ونحن نشد على يديه في كل ما من شانه نصرة هذا المواطن والوطن المنتمي إليه

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 831 - الثلثاء 14 ديسمبر 2004م الموافق 02 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً