من منا لا يملك هاتفاً نقالاً، بل من منا يستطيع ان يعيش من دونه، لا أظن ان كثيراً من الاصوات سترتفع مجيبة عن سؤالي هذا، فالهاتف النقال، أو الخليوي، او الموبايل كما نعرفه جميعاً أصبح جزءاً مهماً في حياتنا وأصبح على من لا يمتلكه أن يبرر الأسباب فهو قطعاً اما مسكين «فقيرون» أو ربما معقد غير اجتماعي.
حسناً، ما مدى علاقتك «بموبايلك» والى أي حد تأخذك خيالاتك وتصوراتك في تفصيل هذه العلاقة؟ قد تشط في خيالك، لكن هل يمكن ان تصل إلى المدى الذي وصل اليه الكاتبان السينمائيان لاري كوهين وكريس مورغان في فيلم Cellular؟؟!! فالموبايل لديهما لم يكن وسيلة اتصال عادية بل محور الفيلم وأساسه ولولاه لما كان هناك فيلم ولظل أبطاله غرباء عن بعضهم بعضاً، بل ولما انقذ أحدهما الآخر، ولما التم شمل الأسرة، وعادت الحبيبة إلى حبيبها، وتم فضح الأشرار والمفسدين .
لا تتعجل قارئي فالاتصال الحادث هنا لم يكن عادياً ولم يكن الأمر يتعلق بأي «موبايل» عادي بل هو جهاز خارق يشبه الأفلام الأميركية، ويشبه هوليوود وممثليها ومخرجيها، جهاز يلتقط مكالمات واشارات لاسلكية لا تلتقطها الاجهزة العادية، وهو جهاز يقتفي أثر المجرمين، ويحتفظ بأدلة ادانتهم، جهاز «مش أي كلام»... على فكرة هو نوكيا 6600، سارعوا لشرائه فهو ينقذ الحياة ويصلح الأمور ويكشف الفساد ويربك المجرمين والأشرار، يفعل كل شيء، كل شيء يخطر على بالك، وهو يشبه الى حد كبير مارد مصباح علاء الدين.
أهم ما في أمر جهاز النوكيا هو انني لم استطع معرفة ما اذا كان المخرج ديفيد ايليز ام المؤلفين مورغان وكوهين هما من اتفقا مع الشركة المصنعة للجهاز بخصوص نفقات هذا الاعلان الهوليوودي ذي السيناريو المحبوك الذي يحمل وجوه فنية قديرة على رأسهم كيم باسينجر، وهو الاتفاق الذي جاءت محصلته فيلم اثارة لا يقل جودة عن كثير من أفلام الاثارة الهوليوودية الأخرى.
الفيلم باختصار يتناول قصة جيسيكا مارتن (كيم باسينجر) التي تتعرض للاختطاف مع زوجها وابنها على يد مجهولين يتضح لاحقاً أنهم من رجال الشرطة «الفاسدين الأشرار»، وجيسيكا معلمة الأحياء، ليست امرأة عادية فعلى رغم قساوة مختطفيها الذين احتجزوها وحيدة في قبو منزل ناءٍ، فانها تتمكن من اعادة توصيل اسلاك جهاز هاتف حطمه المختطفون في بداية الفيلم، ولم تكتفي بذلك بل انها تمكنت من استخدامه لتوصلها الذبذبات الى هاتف منقذها، ايان (كريس ايفانز)، ولتظل على اتصال معه حتى قرب نهايات الفيلم حين يتمكن من انقاذها والقضاء على عصابة المختطفين، مع ملاحظة كونهم من رجال الشرطة الأقوياء والمغتصب ليس سوى فتى أناني تافه تهجره حبيبته بسبب تصرفاته الطفولية.
قصة الفيلم وان بدت مثيرة للوهلة الأولى فانها لا تقدم ذلك النوع المألوف من الاثارة، فنحن هنا لا نتشنج أمام الشاشة ولا تمتلئ جباهنا عرقاً ولا يرتفع غليان الدم في عروقنا، بل نحافظ على رباطة جأشنا، قد نشهق هنا ونقفز هناك لكن هذا كل ما في الأمر، وحقيقة أجده أمراً يستحق المؤلفان والمخرج الشكر عليه. ما لا يمكن غفرانه لهما هو تلك المبالغات والثغرات الغبية في النص وفي الحوارات التي بدا بعضها مقصوداً بينما جاء البعض الآخر تلقائياً وطبيعياً، فمعلمة الأحياء هي أيضاً خبيرة أجهزة هواتف إذ انها تستطيع اعادة توصيل اسلاك هاتف محطم تماماً، وليس كذلك وحسب بل تنجح في فتح الخط مع ايان عبر هاتفه النقال، وهو الاتصال الذي لا يستمر لدقائق معدودة بل لساعات طوال، وليس ذلك فحسب بل إن الاتصال يظل مفتوحاً ولا يتمكن رجال العصابة من اكتشاف الأمر أبدا على رغم مرور ايان في شوارع مزدحمة تكتظ بالمارة وبأصواتهم، والعصابة «داخلين طالعين، ولا من شاف ولا من درى».
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تبدو بعض التقنيات الاخراجية المستخدمة بالية قديمة مكشوفة من جانب المشاهد، فأحد أفراد العصابة يدخل إذ تحتجز باسينجر، ونراه متجهاً نحوها بينما يحمل في يده مضرباً من الحديد، إذ أراد المخرج استثارة المشاهد ليبدو كأن المجرم يود ضرب باسينجر، لكن بصراحة ومن دون أي تحامل على المخرج لم يبد لي الأمر كذلك، ولن يبدو لكم كذلك، وفعلاً ستعرفون مسبقاً انه ينوي تحطيم الهاتف المثبت خلفها وليس رأسها!!
الفيلم بشكل عام يمتلئ بكثير من المبالغات الغبية لتكون المحصلة فيلماً غبياً باخراج جيد جداً وأداء رائع للغاية، فيلم لا بأس به، و«مش خسارة» فيه ثمن التذكرة
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 831 - الثلثاء 14 ديسمبر 2004م الموافق 02 ذي القعدة 1425هـ