العدد 831 - الثلثاء 14 ديسمبر 2004م الموافق 02 ذي القعدة 1425هـ

العتاب والحنّة بين الشيعة والسنة!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

يحلو لكثير من الناس في هذه البلاد أن يحيلوا المواضيع الخلافية كافة، إلى تراشق بين الطائفتين الكريمتين اللتين تشكلان النسيج الاجتماعي الجميل لمجتمع البحرين الذي نحب، ويبدو أن هذا الصنف من الناس هو من النوع الذي يعتقد بإمكان أن يطير طائر البحرين بجناح واحد.

وعلى رغم أن طائر البحرين يغرد بلغة عربية جميلة، ويلهج بقراءة كتاب سماوي مقدس هو القرآن العظيم، ويعبد إلهاً واحداً هو الله جل جلاله الكريم، ويحج كل عام إلى البيت المعمور في أقدس بقعة مباركة على وجه المعمورة تضم بيت الله الحرام، ويتبارك بزيارة خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد الكونين محمد بن عبدالله عليه أفضل السلام والصلاة، ويقيم الشعائر الإسلامية كافة من صلاة وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فإن العتاب لا ينقطع والحنة لا تتوقف.

هل أصبح ذلك سمة من سمات مجتمع البحرين؟ وهل صحيح أن هناك أيدي خفية تعبث في الظلام تارة وفي النهار تارة أخرى، همها فقط إثارة الفتنة والأحقاد بين الشيعة والسنة في هذا البلد الذي كان مضرباً للأمثال في الوحدة الوطنية، لكنه يوشك أن يصبح بعيداً كل البعد عن هذا الوصف الذي كثيراً ما غبطته عليه أمم أخرى.

حتى وقت قريب كان البعض منا لا يُعرف إن كان شيعياً أم سنياً إلا في مناسبات معينة تفرض على الجميع التصرف وفق تقاليد وطقوس بعينها، لكن الجميع كان يحترم هذه الخصوصيات ولا يتوقف عندها كثيراً، فهو يتعامل معها باعتبارها جزءاً من تراث البلد وتقاليده التي يجب أن تراعى ويوضع لها الاعتبار المناسب.

تزاور في المناسبات السعيدة، وتعازٍ ومواساة في المواقف المؤلمة الحزينة، والجميع يحزم أمره ويقوم بتأدية الواجب، من دون أي تردد أو تباطؤ أو تثاقل، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى أبعد من هذه الصورة، ففي كثير من الأحيان يدخل عليك فوج من الأصدقاء والمعارف مهنئاً أو معزياً، لا فرق في ذلك، فتجدهم خليطاً من مجتمع البحرين، من قرى ومواقع سكنية مختلفة، ومن مذاهب وحتى أديان مختلفة أيضاً.

في تلك اللحظات الرائعة المتجردة من البعد الطائفي من قبل الجميع، تشعر بأن الوطن أكبر من أن يسيء إلى وحدته أحد، تثق بأن النسيج الاجتماعي للبلد في أمان، وتقول في قرارة نفسك: رحم الله آباءنا وأسلافنا، فلقد جمعوا بيننا على المحبة والمودة.

وعندما تتلفت عن يمينك وعن شمالك، تجد حولك أطفالاً وشباباً وحتى رجالاً ونساء، هم جميعاً نتاج مصاهرة وزواج مشترك بين الشيعة والسنة، فتارة يكون الأب سنياً والأم شيعية، وأخرى يكون الأب شيعياً والأم سنية، ومع ذلك تجدهم جميعاً في لحظات الحزن والفرح في مركب واحد، هنالك تشعر بفرح غامر ونشوة مفعمة بالعطر ورائحة البخور والياسمين، وتقول: هكذا هي البحرين.

لكن هذه الصورة الجميلة، لا يريد لها بعض ضعاف النفوس أن تدوم طويلاً، بل إنهم يتعمدون الإساءة إلى مضمونها، ويعملون جاهدين على تشويهها في نظر الأجيال الجديدة، ويزيدون في ذلك جهودهم، من خلال الإصرار على تأسيس وإقامة المؤسسات الفئوية ذات البعد الطائفي، والتي تكرس الانقسام وتباعد المسافة بين أبناء الشعب الواحد.

بعض هؤلاء نجدهم في بيات شتوي دائم، لا ينتهي إلا حين تكون هناك فرصة لمشروع طائفي، يؤدي إلى تفاقم الأمور وزيادة التوتر، في مثل هذه اللحظات ينهضون من سباتهم خفافاً، ينفضون التراب من على أجسادهم المريضة، ويشحذون ألسنتهم وأسنانهم النهمة التواقة للنهش في جسد الوحدة الوطنية، فنجدهم يستخرجون من أدراجهم كل دفاتر الحقد وقواميس البغضاء والتأجيج الطائفي، ولا يفتأون أو يفترون عن هذا النشاط ،إلا إذا وجدوا أن أتون المعارك الطائفية قد اشتعل.

من أين لنا هذا النوع من البشر؟ كيف تربى في أوساطنا؟ كيف تمكن من التوغل داخل مجتمعاتنا حتى صار كالسرطان الذي لا نستطيع علاجه أو التعايش معه؟ وهل يحتمل الوطن والمواطن كل هذا العتاب والحنة بين الشيعة والسنة؟

أحسب أن الكثير منا سيقول «ما لك غير خشمك لو كان أعوج»، لكني من الذين يقولون إن هناك من لوى عنق الحقيقة، وعمل سنين طوالاً على زرع الفرقة والتباعد بين أبناء الشعب الواحد، أحد ما سيسأل: كيف كان ذلك؟ وهل لك أن تدلنا عليه حتى نحاسبه ونقتص منه؟!

وببساطة أقول: إن الذين ساهموا في التحشيد الطائفي كثيرون ومعروفون، ومن السهل تحديدهم، علينا فقط أن نتلفت يميناً وشمالاً نفتش عنهم، وسنجدهم في أشخاص وشخوص قد لا نتوقعها، انظروا إلى كل من يساهم في وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، تنبهوا إلى الأشخاص الذين يمارسون التمييز والعنصرية، لاحظوا المسئولين الذين يعتمدون نظام الواسطة والمحسوبية، اسألوا عن الجمعيات والمؤسسات التي لا تقبل عضويتها إلا وفق المعايير الطائفية، ابحثوا عن المدارس الخاصة التي لا تقبل إلا أبناء طائفة معينة، فتشوا عن المدارس العامة التي يتعمد المدرسون فيها إثارة النعرات الطائفية. استمعوا إلى خطباء المساجد والوعاظ ورجال الدين، الذين لا يتركون فرصة للنيل من أبناء المذهب الآخر إلا وظفوها أفضل توظيف واستغلوها أسوأ استغلال، تابعوا مقالات بعض الكتاب الذين تخط أقلامهم حقداً أسود في كل شاردة وواردة، أنصتوا إلى بعض النواب وهم يزايدون على بعضهم بعضاً في الوطنية من خلال استنهاض كل الهمم الطائفية والخلافات المذهبية.

هذه هي المواقع الأساسية التي تستطيع مقارعة الطائفية، وإنهاء الجدل العقيم والعتاب والحنة بين الشيعة والسنة، فالأمر لا يحتاج إلى معجزة، وهو ليس بحاجة إلى نظريات هندسية وعلمية تحل المشكلات اللوغاريتمية التي تتحكم فيه، انه ببساطة بحاجة إلى ثقافة وقرار وإرادة.

نعم، نحن بحاجة إلى أن يعمل الجميع على نشر ثقافة التسامي فوق الأمراض المذهبية التي يعاني منها الوطن، نحتاج إلى أن تكون المواطنة الصالحة المنتجة هي المقياس في التوظيف والكفاءة والإخلاص في العمل هما المعيار في الترقي، نحتاج إلى قرار يوقف المهاترات الطائفية ولا يتركها تنمو كالحشائش الضارة التي تأخذ الماء والتربة عن النباتات النافعة فيصبح الوطن قاحلاً، نحتاج إلى إرادة تتسامى فوق الانتماء المذهبي وتسمو فوق المصالح الفئوية الضيقة، حتى يكون الوطن هو الملاذ الآمن للجميع. نحتاج إلى الشعور بالأمن الوظيفي والأمن الاجتماعي، والأمن الثقافي، والأمن الوطني، وأمن المستقبل لأبنائنا، حتى لا تعود العجلة للوراء، وحتى لا تزداد الشقة والهوة بين أبناء الشعب الواحد، نعم نحن بحاجة إلى تعزيز الشفافية وممارسة حق المطالبة بالحقوق، والواجبات، لأن من يريد أن يأخذ عليه أن يكون مستعداً للعطاء.

إذا أردنا أن نبني وطناً للجميع، فعلينا أن نكف عن التعامل مع هذا الوطن كبقرة حلوب، نأخذ من حليبها ما نشاء لكننا لا نُطعمها إلا بقدر ما نحتاج نحن من حليب، مخافة أن يزيد إنتاجها فيطالب إخوة لنا بنصيبهم من اللبن ومنتجاته. الوطن للجميع فتعالوا نبني الوطن سوياً

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 831 - الثلثاء 14 ديسمبر 2004م الموافق 02 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً