العدد 831 - الثلثاء 14 ديسمبر 2004م الموافق 02 ذي القعدة 1425هـ

لسنا إرهابيين ولكن هل نحن مستقبليون؟

فضل الله يحذر من «محاسبة الإسلام»:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

بدعوة من المركز الثقافيّ الإسلاميّ ببيروت وتحت عنوان: «المسلمون ضد الإرهاب» حاضر المرجع الإسلامي السيّدمحمد حسين فضل الله في فندق البريستول، بحضور ممثّل رئيس الجمهورية الوزير عبدالرحيم مراد، وممثّل دولة رئيس مجلس النّواب ناصر قنديل، وممثّل مدير عام الأمن العام، وممثّل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، محمد السمّاك، وحسين الحسيني، وممثل قائد الجيش، والوزير السابق سمير الجسر، والنائب عبداللطيف الزين، النائب علي الخليل، والنائب السابق زهير العبيدي، ونقيب الصحافة محمد البعلبكي، والسكرتير الأول للسفارة البريطانية، والسفير السوداني والقائم بأعمال السفارة الإيرانية، والسفير الجزائري وممثلي النقابات الأهلية والاجتماعية، وحشد من المثقفين والهيئات النسائية وجمهور غفير غصّت به قاعة المحاضرات.

وبعد تقديم للزميل خالد اللحام ألقى السيدمحمد حسين فضل الله... كلمة جاء فيها:

لماذا نُلحُّ دائماً أن نسأل أنفسنا عمّا يطلقه علينا الآخرون من سِمَات؟ هل نحن إرهابيُّون؟ هل نحن ضلاليُّون؟ هل نحن متطرِّفون؟ إلى آخر القائمة التي تحتضن في كُلِّ يومٍ كلمة محمّلة بكل ما يُراد من خلاله أن نسقط أمامه...

لماذا لم نؤصِّل منذ البداية مَن نحن؟ أن نتعرَّف على أنفسنا لا على أساس القداسة التي تضخم من لا ضخامة له، لا من خلال التاريخ وإن كان التاريخ كبيراً جداً... ولكن من خلال «نحنُ» المعاصرة التي تريد أن تكون جزءاً من حركة العصر الذي يضجُّ بالحركة والإبداع والسلبيات والإيجابيات ونقاط الضعف ونقاط القوّة...

أن نفهم من نحن من خلال الفكر الذي نحمله خطأً أو صواباً! ومن خلال الحركة التي ننطلق بها في الخطّ المستقيم أو المنحرف، لذلك لن نطرح السؤال: هل نحن إرهابيون؟ بل نطرح السؤال: من نحن؟

عندما نتحدَّث عن الإسلام، نلاحظ أنَّنا نتحدَّث عن الإسلام ونطرحه من خلال ما يُثيره الآخرون من شبهات وعلامات استفهام وتساؤلات، وندخل بالإسلام من خلال عناوين الآخرين، وعندها سيكون تفكيرنا صورةً عن ذهنيتهم وتفكيرهم فيما هي القيم... إنّهم يحاولون إثارة قيمهم إلينا في كُلّ ما استحدثوه فيها ونحن لسنا سلبيين مطلقاً ضدها فنحن نعتبر الحضارة الإسلامية حضارة تفاعل مع الحضارات الأخرى لا على أساس السقوط أمامها بل الانفتاح على الإيجابيات لنأخذ ما استحدثوه خيراً وصنعوه، ولا نغفل سلبياتهم وسلبياتنا...

علينا ألا نعيش تحت تأثير جعل الإسلام خاضعاً لكُلّ المفردات التي يُثيرها الآخرون، فنحن نعرف أن مفردات الآخرين تنطلق من حدود فهمهم وفلسفتهم التي قد نخالفها وقد نلتقي معها على قاعدة أن المسألة ليست أنهم الخطأ ونحن الصواب والعكس صحيح وأنهم النور ونحن الظلمة...

أيُّها الأحبة... إنَّنا قد نكونُ بحاجة لإعادة النظر في دراساتنا وفهمنا لها، حتّى نؤصِّلها ونؤكّدها من داخل مصادرنا في الكتاب والسُّنّة وما اجتهد فيها المجتهدون لنبعث السؤال: هل أن مصادرنا تؤكّد العنف كخطٍّ للتعامل مع الإنسان الآخر أو إنساننا عندما نختلف في خطوطنا الفكرية والمذهبية والسياسية...

هل الإسلام دين العنف أو الرفق؟ أو الواقعيّة التي تحتضن الرفق في الحياة العامة للإنسان كضرورة واستثناء وحالة حركية...

فكلّ الحضارات فيها ما ليس عنفاً مطلقاً أو رفقاً مطلقاً والإنسان جزء من الطبيعة الكونية، والتي تعنف تارةً وترفقُ أخرى... ولهذا فإنّ كُلَّ ما في الكون يجتذِبُ الرفق والعنف... ونحن لا نريدُ رضى الآخرين لنقول إنَّ الإسلام دين العنف أو الإرهاب أو الرفق.

المسألة أن الإسلام دين الإنسان الذي بعثَ الله رسوله به ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ونحن نؤكّد دائماً أنَّ الدين جاء لخدمة الإنسان ولم يأتِ الإنسان لخدمة الدين، فالدينُ للحياة وهو من نوعها، وفيه رفق وعنف كما الحياة التي تجعل الإنسان يتحرك وينتج فكراً وعاطفةً وحركةً للعدل.

ربّما نقرأُ في كثيرٍ من الحالات عنفاً في فكر الآخر ولكن عندما تواجه الفكرة فإنَّ من الطبيعي أن تعيشَ الفكرة في عمق المعاني التي تختزنها، فليست حالةً تخضع للمناقشة كُنّ عنيفاً في مناقشة الفكرة لتأصيلها، مع التَّسامح في طريقة عرض الفكرة لأنَّ ثمّة فرقاً بين الفكرة في مضمونها الثقافي وطرحها للآخر.

إنَّ القرآن جمع بين الخطّين، وعندما تحدَّث عن فكر الشرك مقابل التوحيد والكتاب مقابل الإسلام كان عنيفاً لأنّهُ أعطى الفكرة حركة تأصيلها، ولكن عندما تحدَّث عن تقديم الفكرة تحدَّث عن الأسلوب الأحسن والمجادلة الحسنة «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن» (الإسراء: 53) «ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة» (النحل: 125)، وأمَّا الاستثناء فقد ورد بحقَّ الظالمين «إلاَّ الذين ظلموا» كما هو الواقع مع «إسرائيل». وإذا تجاوزنا المسألة إلى الأرض المشتركة نرى الطرح في آفاق الحوار والانفتاح حتّى نصِلَ للوحدة... وعندما نواجه المشاكل السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة معنا ومع الآخر نقرأُ عدم استواء الحسنة والسيئة، فالحسنةُ أسلوب الرفق واللّين والسيئةُ أسلوب العنف والظلم.

فكّر في الحلّ الذي يُحوِّلُ عدوّك إلى صديقٍ غير عاديٍّ بل حميم يحتضِنَ فكرك وقضيّتك وإنسانيتك، والقضيّةُ ليست مسألة استهلاك «فإذا الذي بينكَ وبينَهُ عداوة كأَنّهُ ولي حميم» (فصلت: 34)، ولا يُلقاها إلاَّ الصّابر الواعي ذو الحظّ العظيم المنفتح على مناخ التخطيط للمستقبل الأحسن... ولهذا كُنَّا نقولُ للإعلاميين الغربيين: إنَّ القرآن يريدنا أن نكونَ أصدقاء العالم، إلاّ الذين ظلموا وهم الذين يقمعون ولا يحاورون... ونحنُ نقرأُ في حديث الرسول الكريم (ص): «إنَّ الرفق ما وضِعَ على شيءٍ إلاَّ زانه وما رفِعَ عن شيءٍ إلاَّ شانَهُ (عابه) وإنَّ الله رفيق يحُبُّ الرفق ويُعطي على الرفقِ ما لا يُعطي على العنف» فأَجرُ الحلِّ بالرفق يزيدُ أضعاف حجم الحلّ بالعنف، ومعنى ذلك أنَّ الإسلام يقول للإنسان كُنْ منفتحاً على الآخر ولا تتعقّد منه، ولعلّنا نستوحي ذلك من قوله تعالى: «يا أَيُّها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائِل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم...» (الحجرات: 13). وفي ذلك وحدة الإنسانية، واعتراف الإسلام بتنوّع القوميّات فالإسلامُ لا يُلغي الخصوصيّة بل يُؤكّدها ويريدُ اللقاء على القواسم المشتركة مع الخصوصيات الأُخرى على قاعدة التعارف والانفتاح الحضاري.

ولهذا كُنَّا نتحفَّظُ من مقولةً كانت سائدة في الأربعينات والخمسينات عند الإسلاميين والقوميين أن الإسلام والقومية متعارضان، فإن الإسلام يُؤكّد واقع اختلاف القوميات ولكنّهُ يقولُ لك ألا تعيشَ داخل زنزانة قوميتك، فالإنسانيّة واحدة مع التنوُّع داخل هذه الوحدة، والإسلامُ ليس دينا لقمع الآخر بل إنَّ المسلمين يتفاعلون مع الحضارة الإنسانيّة هنا وهناك.

وأمَّا الكلمة التي يُردّدها الغرب، وهي الجهاد، على قاعدةِ أن الإسلام يحملُ سيفاً مسلّطاً على العالمِ حتّى في الدائرة الإسلاميّة فإنَّها تنطلقُّ من أنَّ الإسلامَ ليَس بِدْعاً من التيارات والاتجاهات في هذا المجال، فالجهادُ كأيِّ قضيّة تنطلقُ في مواجهة الظُّلم والقمع كما هو السائد في العالم، الذي تقومُ حضارتُهُ اليوم على مفاهيم الحرب والكفاح والنِّضال وغيرها من المفاهيم... ولكنَّ القضيَّةُ في الإسلام فيها جانب وقائي ولهذا كان القرآن دائماً يقرِنً «عدم الاعتداء» في سياق الآيات الخاصّة بالجهاد «ولا تعتدوا إنَّ الله لا يُحِبُّ المعتدين» (المائدة: 87).

إنَّ لك حقّاً بردّ العدوان بمثله، ولك أن تعفو، لأنَّ ذلك من موقع القدرة على أخذ الحقّ... ولهذا قال غوستاف لوبون: لم يعرف الغرب فاتحاً أرحم من الإسلام، الذي قامَ على قاعدة التَّسامح والانفتاح والتأمُّل الذي تكامل بعدها مع التجربة التي جاءَ بها الغرب في ميدان الحضارة الحديثة التي انطلقت من خلال الحضارة الإسلاميّة.

ربّما يُحدِّثونك عن «11 سبتمبر/ أيلول» وقد أثاروا الدُّنيا أمام ما اسموه «الإرهاب الإسلاميّ» وانطلقت المسألة لتطلق ذلك أمام الإسلام كُلّه على قاعدة ما أثاره الأميركيُّون من أنَّ الإرهاب إسلامي عربي.

وإنَّنا عندما نقارن بين هذه المسألة في تأثيراتها السلبيّة على المسلمين والعرب في الغرب، وبين الأوضاع التي عاشها الغربيُّون من استعمارٍ واحتلال للعالم، فإنّنا نلاحظ أنّهُ عندما قامت مجموعة قيل عنها إسلاميّة بما قامت به في نيويورك، انطلق الرأي العام الغربي لا الإدارات فقط في عمليّة اضطهادٍ متنوِّعٍ في أشكاله ضدّ العرب والمسلمين في أكثر من موضعٍ غربي وأصبح الإنسان المسلم يخشى ويخاف الاضطهاد حتّى أن الكثيرين حبسوا أنفسهم في بيوتهم حتَّى أنَّنا لاحظنا أنَّ الهجمة على المسلمين تحوّلت إلى هجمةٍ على الإسلامِ نفسه ولاتزالُ القضيّة تتحرَّك على أساس محاسبة كُلّ المسلمين والعرب نتيجةً لبعض الأعمال الفرديّة القائمة على ردّة فعلٍ لما يُعانيه العالم من سياسة الغرب الظالمة.

إنَّ معنى هذا أنَّ الإنسان الغربيّ انطلق كما الإدارات على أساس محاسبة الإسلام والمسلمين، بينما نجد أنَّ الإنسانَ العربيّ والمسلم قد عاشَ تاريخه لا يُؤاخذُ الناس بفعل بعضهم لبعض بل يضع القضيّة في نطاقها الخاص، الفردي، بينما لاتزال مسألة 11 سبتمبر برواسبها تعملُ وتتحرَّكُ على قاعدة تحميل جميع المسلمين لتبعاتها... بينما يرى المسلمون ومن خلال تاريخهم الذي تربَّوا عليه ألا يعرضوا لإنسانٍ بريء، بسوءٍ أو نتيجة لجريرة اقترفها غيره.

إنَّنا نتساءَلُ من موقع المسئوليّة أين هو الإرهاب؟ هل هو هنا أم هناك؟ إنّ الذهنية الإرهابيّة تعيشُ هناك ولا ننكر أنَّ لدينا في عالمنا الإسلاميّ بعض المجموعات التي تتحرَّك بالعنف، وهو ما عشناه في تجربة الجزائر التي يختلِفُ الرأي في حيثيات أوضاعها، ولكنّنا نؤكّد أنَّهُ لم يُعرض بسوءٍ لغربيٍّ أو أميركيٍّ في أجواءِ ذلك... ونتساءَل: هل الإنسان الغربي يُمثِّلُ كمال الإنسانَ كُلّه حتَّى تقوم الدُّنيا عندما كانت تحصل بعض مظاهر الخطف فيما عشناه في لبنان سابقاً علماً أنّها كانت أعمال فردية، ولقد قلتُ مرّة لبعض السفراء الغربيين الفرنسيين إنَّنا تعلَّمنا الخطف منكم عندما قمتم بخطف المهدي بن بركة، وأحمد بن بلاَّ.

وبالمقارنة بين المنظَّمات التي يسمونها إرهابيّة بيننا وبين الغرب نجد على القائمة الغربيّة منظمات عريقة وقائمة كثيرة في ذلك: كالألوية الحمراء وتنظيم العمل المباشر، والجيش الأحمر، والجيش الجمهوري ومنظمة إيتا... إضافة لإحصاءات الجريمة التي فاقت كُلّ حدّ في الولايات المتحدة الأميركيّة.

هل نستطيع كمثقّفين الدخول إلى مراكز الدراسات الأميركيّة لنناقش حقّ اليهود في فلسطين؟ وسيف معاداة الساميّة؟ والإحصاءات التي انطلق اليهود فيها في قضيّة المحرقة بزعمهم؟ إنّ من يفعل ذلك يحاكم بتهمة معاداة السامية، ومثال غارودي شاه على ذلك؟ نحن نعيش قضيّة «المنار» والحملة غير العادلة ضده، ولقد ذكرتُ لبعض السفراء الغربيين أنّنا ضدّ معاداة أيّ مجموعة دينيّاً؟ ولكن لماذا لا يكون لديكم عقدة ضدّ معاداة الإسلام أو المسيحيّة؟ لماذا اليهود فقط وهم الذين احتضنوا عربيّاً وإسلاميّاً عبر التاريخ الإسلامي والعربي... إنَّنا نقول: أميركا لا سياسة لها في الشرق الأوسط بل سياستها إسرائيلية، وحرب العراق انطلقت أميركياً لتخفيف الضغط العربي على «إسرائيل»، وهو ما تكشفه حركة «إسرائيل» في شمال العراق...

إنَّهُ لا بُدَّ من خطّة ثقافية سياسيّة عملانيّة، لأنَّ بيانات المؤتمرات والاجتماعات لا تكفي، بل يبقى للقاعدة الثقافيّة تأصيلها حتّى لا نحاول إسقاط الواقع الداخلي والوطني، كما يحصل في العراق... وعلينا أن نتعلّم من جراحاتنا السياسيّة والثقافيّة والأمنيّة القاسية، ولا نحاول أن نحمل من السواقي الجارية نهراً كبيراً! لماذا لا نفكر بمشكلتنا الأساس على قاعدة التخطيط للمستقبل؟ مشكلتنا أنَّنا نعيش الماضي بذهنية الصراع والغريزيّة... إن علينا أن نجعل عقلاً ثقافياً يعرف كيف يقرأُ حركيّة النَّص حتّى لا نُعاني من الذي يجمِّدون النَّص وينغلقون عليه... غيِّر نفسك تغيِّر التاريخ والواقع... ويبقى أنّنا لم نتساءَل: هل نحنُ إرهابيُّون مستقبليُّون تغييريًّون؟ أين الجواب أمام الضوضاء الغرائزيّة والصراخ الذي يضم الآذان... تعالوا لنعيش في الهواء الطلق ونطلق الدين والسياسة والثقافة في الهواء الطلق حتّى نُحدِّث في الشمس كُلّ لنُطّل على نورِها ونور المستقبل

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 831 - الثلثاء 14 ديسمبر 2004م الموافق 02 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً