انتهى حكم بني جروان في العام 1487م على يد سيف بن زامل الجبري الذي أسس حكم بني جبر على جزيرة البحرين وشرق الجزيرة العربية. ويذكر جون كول في بحثه عن تاريخ الشيعة الإمامية في البحرين أنه وعلى الرغم من أن بني جبر لم يكونوا على المذهب الشيعي إلا أنهم تعايشوا متفاهمين مع الشعب، إلا أن الحرية المذهبية السابقة قد تقلصت، ولم يكن من السهل أن يتسلم الشيوخ الشيعة مناصب القضاة كما في السابق. وقد تسلم الحكم بعد سيف أخوه أجود بن زامل ثم خلفه ابنه من بعده محمد بن أجود وتلاه أخوه مقرن بن أجود بن زامل الذي قتل في العام 1521 ميلادية على يد القوات المتحالفة البرتغالية - الهرمزية التي أحكمت سيطرتها على جزيرة البحرين فيما بعد.
اقتضت سياسة البرتغاليين تعيين حاكم هرمزي سني للبحرين، وعليه تم تقليل دور العلماء الشيعة في القضاء. ومن العلماء الذين عرفوا في هذه الحقبة الشيخ حسين بن مفلح الصيرمي (توفي 1526م) والشيخ حسين الغريفي (توفي 1592م).
على الرغم من حدوث بعض الفتن أثناء الحكم الهرمزي للجزيرة وذلك لتغيير الهوية المذهبية لشعب البحرين كقصة «أبو رمانة» الشهيرة، إلا أنه لا بد أنه كانت توجد صيغة تفاهم بين الشعب والحكومة الهرمزية وخاصة في نهاية الحكم البرتغالي الهرمزي للجزيرة، فقد تم إعفاء جميع أملاك وأوقاف مسجد الخميس والذي كان يعرف باسم (المشهد ذي المنارتين) في ذلك الوقت من جميع أنواع الضرائب، و قد كان هذا القرار في غاية الأهمية بحيث تم نقشه على صخر كبير، فقد عثر على نقش يوثق ذلك منقوش على صخرة كبيرة مقسمة لثلاثة أقسام. النقش نفسه يتكون من سطرين وهما كالتالي»
(1) «بسم الله الرحمن الرحيم لمثل هذا فليعمل العاملون إلى تقرب الله العظيم الحشيم طلبا لثوابه حضرة خلاصة الوزراء الأعاظم ولجنة الأواصف الأفاخم ركنا للوزارة والايالة والحكومة والعدالة والاقبال محمود... اعز (؟)... رب (؟)... حضرة... نور للسعادة... الغفر... امراء (؟) وشاهان».
(2) «برفع التوزيع والثغور وسائر خرجات الديوان عن أوقاف وأملاك المشهد الشريف ذي المنارتين الكائن ببلد أوال خرجات (؟)... منها (؟) وعن (؟) الوبال رفعا مؤبدا على ممر الأيام... إلى الخاص (؟) فمن ألغا وعزم شيا مما رسم في هذا الحجر من سائر العالمين فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين تحريرا بشهر شعبان لسنة تسعين وتسعمائة هجرية الحمد لله صلاة على محمد وآله»
يعود تاريخ النص للعام 1582م، أما محمود المذكور فيعتقد أنه ابن جلال الدين مراد محمود شاه الذي حكم البحرين من قبل الهرمزيين ورمم قلعة البحرين في العام 1561م وتوفي في العام 1577م وعين من بعده ابنه الذي ربما يكون محمود هذا.
وفي مطلع القرن السابع عشر الميلادي (1602م)، خضعت جزيرة البحرين للدولة الصفوية، بعد استعادتها من المستعمرين البرتغاليين، فاستعان الصفويون بالفقهاء لجهة تعزيز سلطتهم واستحدثوا مؤسسة دينية مضبوطة على نموذج المؤسسة الدينية الإيرانية، اعتمدت نفس النظام المراتبي الديني المعمول به في إيران والذي يعتمد على وجود شيخ الإسلام بالإضافة للحاكم السياسي.
اجتذبت تلك المؤسسة كبار علماء الدين في البحرين من الخط الأصولي، الذي بدأ ينشط بالإفادة من إمكانيات وتأييد السلطة الصفوية. وقد تم تعيين العديد من علماء البحرين كقضاة في إيران. وبالإمكان تتبع بعض الأمثلة عن تولي بعض علماء البحرين الذين هاجروا إلى إيران مناصب في الدولة الصفوية وخصوصا في سلك القضاء، كما أسهموا في رفد السلطة بتصورات سلطانية جديدة، ونذكر منهم السيد ماجد بن السيد محمد البحراني (ت. 1022هـ)، الذي كان يقيم الجمعة في البحرين ثم هاجر إلى إيران، واجتمع بالشيخ البهائي في أصفهان، وأصبح قاضيا بشيراز ثم بأصفهان، ودرس في دار العلم بشيراز، وتخرج على يده علماء إيرانيون، ومنهم أيضا السيد محمد بن السيد عبدالحسين آل شبانة، تقلد منصب شيخ الإسلام، واستوطن أصفهان، والشيخ صالح الكرزكاني، الذي توطن شيراز وانتهت إليه ولاية القضاء بأمر السلطان الشاه سليمان، وقد بعث إليه السلطان الصفوي الشاه سليمان خلعة القضاء (الرسمي) المرقم حكوميا، فتسلم الكرزكاني القضاء بعد لأي منه، والتماس من بعض المقربين.
أما في البحرين فقد تم تعيين علماء شيعة في منصب شيخ الإسلام ويعد الشيخ محمد الرويسي أول عالم دين أصولي يتولى القضاء في البحرين أثناء الحكم الصفوي.
جاء في ديوان أبو البحر الخطي تعقيبا على قصيدة رثى فيها شيخ الإسلام عبدالرؤوف بن حسين الموسوي ما نصه:
«ثم قرأت العهود والتقليدات المقررة من قبل هرموز بتقليد القضاء ابنه الشريف أبا عبدالله جعفر (قدس سره)، وولاية الأوقاف، وفوضت إليه الأمور الحسبية، وأفرغت عليه الخلع من الديوان، و ذلك بالمشهد ذي المنارتين من أوال بالبحرين ثالث عشري شهر صفر للسنة السادسة بعد الألف».
من النص السابق يلاحظ أن حفل التأبين لشيخ الإسلام حدث في مسجد الخميس، وعملية تنصيب خليفة له بقرار مرسوم حدثت في مسجد الخميس الذي ربما كان مركز القضاء ومقرا لشيخ الإسلام.
من تقلد قاضي القضاة أو شيخ الإسلام في الحقبة الصفوية:
1 - محمد الرويسي.
2 - حسين بن أحمد الحسيني الموسوي.
3 - عبدالرؤوف بن حسين الحسيني الموسوي (توفي 1006 هجرية).
4 - جعفر بن عبدالرؤوف الموسوي.
5 - ماجد بن هاشم الصادقي، هاجر إلى شيراز وتوفي فيها العام 1028 هجرية.
6 - حسين بن عبدالرؤوف الموسوي (توفي 1028 هجرية).
7 - علي بن سليمان القدمي البحراني (توفي 1064هجرية / 1654م).
8 - صلاح الدين بن علي بن سليمان القدمي (توفي بعد فترة بسيطة بعد والده).
9 - محمد بن سليمان المقابي.
10 - محمد بن ماجد الماحوزي (1105هجرية / 1693م).
11 - سيد هاشم التوبلاني (توفي 1107هجرية /1695م).
12 - سليمان بن عبدالله الماحوزي (توفي 1121هجرية / 1709م).
13 - أحمد بن عبدالله البلادي (1725م).
يبدو أنه بنهاية القرن الثامن عشر فقد مسجد الخميس أهميته، وبدأ يتحول إلى أطلال، ويلاحظ في ما كتب عن «مسجد الخميس» في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وصف المسجد بأنه مجرد أطلال، حتى وإن استمر البعض في الصلاة فيه، فما عاد ذلك المركز الديني، بل تحول لمعلم جميل يزوره المستشرقون يتأملون جماله وروعة بنائه، وبعض الرحالة ينتابهم الفضول لدراسة تاريخه.
العدد 2386 - الأربعاء 18 مارس 2009م الموافق 21 ربيع الاول 1430هـ