العدد 827 - الجمعة 10 ديسمبر 2004م الموافق 27 شوال 1425هـ

التغيير ليس ضرورة عربية فقط بل عالمية

أمين عام الأمم المتحدة السابق بطرس غالي لـ «الوسط»:

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

على هامش أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفكر العربي الذي احتضنته مدينة مراكش المغربية مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري التي امتدت أربعة أيام، التقت صحيفة «الوسط» الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي، وأجرت معه هذا اللقاء التي تناولت فيه دعوات التغيير والإصلاح في العالم العربي، وإصلاح منظمة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى القضايا التي تشغل الرأي العام في المنطقة العربية وعلى رأسها الوضع المتفجر في العراق، والقضية الفلسطينية.

وفيما يأتي نص المقابلة:

معالي الأمين العام أنتم اليوم في مراكش لحضور المؤتمر الثالث للفكر العربي الذي يناقش موضوع «العرب بين ثقافة التغيير وتغيير الثقافة»، في رأيكم هل بات التغيير اليوم ضرورة ملحة في العالم العربي؟

- التغيير ليس ضرورة للعالم العربي فقط، بل لمختلف بقاع العالم، فالتغيير مطلوب في أميركا اللاتينية، في إفريقيا، في آسيا، بل حتى في بلدان العالم المتقدم، لماذا؟ لأن هناك ثلاث ظواهر جديدة ، الظاهرة الأولى انتهاء الحرب الباردة سياسيا، والثانية الثورة التكنولوجية الجديدة التي غيرت الكثير من المفاهيم، أما الظاهرة الثالثة فهي العولمة التي ستفرض نفسها على جميع دول العالم عاجلا أم آجلا، والدول لو أرادت أن تشترك في القواعد التي تنظم تلك العولمة فيجب أن تتغير وأن يتم بها التغيير، فالتغيير غير قاصر على العالم العربي، وهو ظاهرة جديدة مرتبطة أصلا بالعولمة ولا مفر من هذه العولمة، هناك عولمة في الأمور المالية، عولمة في الامور الصحية، عولمة الإرهاب، عولمة المشكلات الصحية، عولمة مشكلات المياه، يضاف إلى كل ذلك أنه خلال السنوات المقبلة لن يمكن بأي حال من الأحوال معالجة المشكلات الوطنية والقُطرية بشكل داخلي، بل يجب معالجتها على المستوى الدولي، وبالتالي لو أرادت الدول أن تشترك في معالجة تلك المشكلات فيجب أولا أن يسمع صوتها، ولن يتم ذلك إلا بقبولها للتغيير.

لكن إذا كان التغيير عند الآخرين مطلباً داخلياً، فإنه في العالم العربي كثيرا ما يربط بالمطالب الخارجية وخصوصاً من قبل الولايات المتحدة؟

- في الواقع هذا غير دقيق لأن الدول العربية بدأت تفكر في التغيير قبل بروز المطالب الأميركية، بل إن مطلب التغيير ليس مطلبا أميركيا فقط بل هو مطلب دولي، فقرارات الأمم المتحدة تنادي بالتغيير، ونحن نعلم أن القرارات الأممية ليست قرارات أميركية، بل هناك دول عربية شاركت في صوغ وتبني هذه القرارات، إذاً من الخطأ أن نقول إن التغيير مطلب أميركي، بل هو أيضا مطلب عربي داخلي وملح، وثانيا التغيير غير مقصود به العالم العربي أو الإسلامي، بل العالم ككل.

تحتضن الرباط خلال هذين اليومين 10 و11 ديسمبر/ كانون الأول منتدى المستقبل الذي سيجمع عددا من البلدان العربية والإسلامية ببلدان مجموعة الثماني المصنعة. في نظركم ما أهمية هذا الملتقى؟

- إلى حد الآن غير مفهوم ما المطلوب من هذا الملتقى وتوجهه، هل هو يضع الأساس لمنطقة الشرق الأوسط الكبير، أم مشروع مشروع مرشال جديد، حتى الآن ليس مفهوما ما المراد من هذا المنتدى (منتدى المستقبل). إلا أنه يجب أن نرحب بجميع المؤتمرات، لأنه من خلال المؤتمرات والندوات نستطيع أن نتحاور، وأن نناقش وأن نوضح موقفنا، لأنه ضمن العيوب التي نعاني منها أن موقفنا أو مواقفنا غير مفهومة من قبل باقي مكونات المجتمع الدولي وخصوصاً الغربي منه، لذلك يجب أن نهتم بالقضايا الدولية وبأشغال المنظمات الدولية حتى يكون هناك تحاور بيننا والآخرين.

دعنا ننتقل من الإصلاح العربي إلى موضوع إصلاح الأمم المتحدة... في الآونة الأخيرة تعالت الأصوات من أجل إصلاح المنظومة الأممية حتى تصبح أكثر ديمقراطية، باعتباركم أمينا عاما سابقا لهذه المنظومة، هل عمل الأمم المتحدة تنقصه الديمقراطية؟ وما الأجهزة المرشحة أكثر من غيرها لكي تطالها يد الإصلاح؟

- لاشك في أن الأمم المتحدة في حاجة إلى الديمقراطية، وكما نطالب بدمقرطة الدول والأنظمة، يجب أن نطالب بأن تخضع الأمم المتحدة لنظام ديمقراطي، ويجب أيضا أن تكون العلاقات الدولية خاضعة لنظام ديمقراطي، فكما أننا ندافع عن الديمقراطية الوطنية، يجب أن ندافع عن ديمقراطية عالمية. العولمة يجب أن تكون خاضعة لنظام ديمقراطي، وألا تكون خاضعة لنظام غير ديمقراطي، ومن بين الوسائل لتحقيق حد أدنى من الديمقراطية في العلاقات الدولية، أن نبدأ بديمقراطية الأمم المتحدة، وهذا يتطلب تعديل تمثيلية مجلس الأمن الدولي، والحد من استخدام حق النقض (الفيتو)، والقيام بتغييرات في هيكل الأمم المتحدة، حتى تكون القرارات التي يتم اتخاذها قائمة على التعددية، والتعددية هي ركن من أركان الأمم المتحدة.

ضمن هذا الإطار نسمع بين الفينة والأخرى أن الكثير من الدول يراد منحها مقعدا دائما في مجلس الأمن كألمانيا واليابان، وإفريقيا، ما محل العرب من هذا الأمر؟

- هناك مجرد مشروع من أجل رفع عدد مقاعد مجلس الأمن فيما يخص الدول الدائمة العضوية وغير الدائمة لتنتقل من 15 مقعداً إلى 24 مقعداً، حينئذ مصير التمثيل العربي سيكون خاضعاً للانتخابات والاتصالات التي ستجري بين مختلف البلدان العربية وتلك الواقعة في حيزها الجغرافي إفريقية كانت أم آسيوية.

في ربيع السنة الماضية قامت الولايات المتحدة الأميركية بغزو العراق عسكريا ونتج عنه الإطاحة بنظام كان معترف به دوليا من دون الرجوع إلى الأمم المتحدة. في رأيكم هل العالم مازال في حاجة إلى الأمم المتحدة بعد كل هذا التجاوز؟

- لاشك في أن التدخل الأميركي في العراق كان مخالفا للقانون الدولي لأنه تم من دون موافقة مجلس الأمن، نتج عنه مرور الأمم المتحدة بأزمة غير مسبوقة في تاريخها، ولكن أستطيع أن أقول إن الأمم المتحدة مرت في تاريخها بعدة أزمات في الفترة ما بين 1945 و2004 استطاعت التغلب على هذه الأزمات، من هنا فأنا متفائل وأرى أن الأمم المتحدة ستستطيع التغلب على هذه الأزمة، كما تغلبت على الأزمات السابقة.

إلى أهم قضية تشغل الرأي العام العربي حاليا، قضية احتلال العراق، ما الوصفة التي يمكن بها إعادة الاستقرار للعراق في ضوء أعمال العنف التي تعصف به منذ أشهر؟

- أنا أضيف إلى ذلك أن أهم قضية بالإضافة إلى القضية العراقية هي القضية الفلسطينية، بالنسبة إلى العراق فرأيي بسيط يتمحور حول إعطاء الشعب العراقي حقه في التصرف في أموره وتسييرها، فهو الذي يستطيع أن يعرف كيف يعالج مشكلاته، وكيف يمكنه أن يصل إلى نوع من الوفاق بين جميع الأطراف المعنية في العراق، يجب ألا ننسى أن العراق دولة استقلت قبل جميع الدول العربية، وانضمت إلى عصبة الأمم قبل جميع الدول العربية، ولشعبها مستوى ثقافي وعلمي يفوق الكثير من البلدان العربية، وتكاد تكون أغنى دولة في العالم العربي، لأنها تتوافر على الأراضي الزراعية الخصبة والأنهار، والنفط، والطاقات البشرية المتعلمة، وبالتالي فإني واثق أن الشعب العراقي لما له من أصالة سيستطيع أن يجد الحلول كي يستتب السلم ويسود السلام في مختلف أرجاء العراق على رغم الأزمات التي مر بها، يجب ألا ننسى أن العراق دخل في حرب ضد إيران، وحرب أخرى أعقبت غزوه الكويت، وحصار اقتصادي دام أزيد من 13 سنة، لذلك أظن أن الشعب العراقي أولى منه غيره لكي يعالج مشكلاته بنفسه، وهو في غير حاجة إلى وصاية سواء كانت أميركية أو دولية.

كأمين عام سابق للأمم المتحدة، أعمال العنف الجارية في العراق كيف تصفها، مقاومة أم إرهاباً؟

- لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال، لاشك في أن أعمال العنف قد تضعف صورة العراق في العالم الخارجي، ومصلحتها تتحدد في أن تتغلب على هذه الأعمال حتى يستطيع الشعب العراقي أن يكون المسئول عن اتخاذ قراراته.

فيما يخص القضية الفلسطينية، ما مستقبلها بعد رحيل الزعيم ياسر عرفات؟

- أيضا أرى أن الشعب الفلسطيني له النضوج لكي يستطيع أن يتولى بنفسه معالجة القضية، ويبدأ التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، كما فعل في السابق.

سؤال أخير يتعلق بقضية النزاع في الصحراء، وهو الملف الذي اشتغلتم عليه لفترة قاربت عشر سنوات خلال توليكم منصب الأمانة العامة للأمم المتحدة، في رأيكم ما الحل الذي يمكن أن يكون مخرجا للنزاع؟

- الحل يكمن في إجراء الاتصالات المكثفة بين الجانبين، وأنا واثق من التوصل إلى حل سياسي متفاهم بشأنه، وأن السلام سيستتب في المنطقة

العدد 827 - الجمعة 10 ديسمبر 2004م الموافق 27 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً