العدد 827 - الجمعة 10 ديسمبر 2004م الموافق 27 شوال 1425هـ

قنابل دخانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من جديد عادت نغمة اتهام بعض المسـئولين في الحكومة العراقية المعينة دول الجوار بتمويل المقاتلين وتدريبهم وإرسالهم إلى بلاد الرافدين لمحاربة الاحتلال الأميركي.

هذه النغمة خفت قليلاً في فترة اجتياح الفلوجة وتدميرها وتشريد أهلها. ففي تلك الفترة أطلق المتعاملون مع الاحتلال سلسلة معلومات عن الفلوجة تبيّن لاحقاً أنها غير دقيقة. فذكرت أن هناك بين 3 و4 آلاف مجاهد عربي وأجنبي، وأن الزرقاوي يقود العمليات من هناك، وأن الاحتلال يعتبر تلك المعركة الأهم منذ ديان بيان فو في فيتنام... إلى آخره من أكاذيب لتبرير المجزرة التي أعد لها العدة. وحصلت المذبحة ضد المدنيين وطرد أهل المدينة وشرد سكانها وتبين لاحقاً أن 90 في المئة من المعلومات كانت مختلقة.

ولم تقتصر حملة الافتراء على توزيع أخبار ملفقة، بل شملت سلسلة وعود أطلقت قبل المذبحة - التي ذكرت الناس بتلك الجريمة التي ارتكبها صدام في حلبجة - تقول إن الحكومة المعينة تريد تنفيذها من إعادة إعمار وتأهيل المدينة بعد اجتياحها... تبين أيضاً أنها كاذبة.

إلا أن حبل النفاق لم يتوقف عند حدود الفلوجة، بل استمر ليشمل عشرات القرى والبلدات والمدن بذريعة أن المقاتلين نجحوا في الفرار من المدينة المطوقة وأن الزرقاوي شوهد يخرج برفقة مجموعات مسلحة من الفلوجة ويتسلل إلى مدن وبلدات أخرى.

مدينة مطوقة ومعزولة وساقطة عسكرياً ويجتاحها 15 ألف جندي أميركي مزودين بأحدث المعدات وينجح المقاتلون بزعامة الزرقاوي في الخروج منها والتسلل إلى مدن وبلدات أخرى مطوقة ومعزولة عسكرياً. كيف؟ لا جواب عن هذا السؤال. لأن الجواب الواضح سيكشف أن المعلومات التي تذرع بها الاحتلال لم تكن صحيحة. إذ كيف عرف الاحتلال أن الزرقاوي نجح في الإفلات؟ فمن يعرف يعني أنه يعرفه وأنه إما سمح له بالخروج أو تعاون معه على الخروج أو سهل له عملية الخروج أو غض النظر عن عملية الخروج من المدينة المطوقة وفتح له الطريق للتوجه إلى مدينة أخرى.

هذا هو الجواب المنطقي للإجابة عن السؤال بشرط أن تكون المعلومات صحيحة. وإذا كانت المعلومات كاذبة أساساً فمعنى ذلك أن الاحتلال لفق روايات لتبرير اجتياح المدينة وارتكاب مجزرة فيها بحق المدنيين لتخويف الناس كما كان يفعل صدام أو كما فعل في مذبحة حلبجة.

من جديد عاد بعض المتعاملين أو المستفيدين من الاحتلال الى اتهام دول الجوار بتمويل المقاتلين وتدريبهم وإرسالهم إلى العراق. وهذه الاتهامات «المفبركة» تعكس وجود نوايا سيئة تخطط لها الإدارة الأميركية في المرحلة المقبلة وتنتظر الظروف المناسبة لإعلانها.

هذه المعلومات المختلقة لم تأتِ من فراغ. فهي جاءت على خلفيات تصريحات مشتركة أطلقها الكثير من المسئولين والسفراء المتطرفين في الأجهزة الدبلوماسية العاملة في المنطقة العربية. ومعظم تلك التصريحات اعتمدت على معلومات غير دقيقة وموثقة تركز على تحميل مسئولية انهيار الأمن في العراق الدول المجاورة وتبرئة الاحتلال من تلك المسئولية. وتصريحات سفراء الولايات المتحدة في المنطقة ليست بعيدة عن توجيهات المسئولين في واشنطن. وهذا يعني في اللغة الدبلوماسية أن إدارة البيت الأبيض ليست في وارد إعادة قراءة ملف الحرب على العراق قراءة نقدية. فالأجهزة التي تذرعت بمعلومات مختلقة لتبرير الحرب تعتبر أنها فعلت الصواب وكل العالم على خطأ. فالاحتلال برأي هذه الكتلة الشريرة صحيح ولا غبار عليه والمقاومة تتحمل مسئولية الأخطاء وكذلك دول الجوار تتحمل مسئولية تلك المقاومة. فالمقاومة أجنبية ومستوردة برأي هذه الكتلة الشريرة وليست عراقية والاحتلال على حق ولا يحق للشعب العراقي مقاومة الاحتلال. وإذا فعل فمعنى ذلك أنه يميل إلى الإرهاب ولابد له أن يدفع ثمن أفعاله ... وهذا ما حصل في الفلوجة ويبدو أنه سيحصل في مناطق أخرى بعد أن نجح الزرقاوي ومجموعاته في الإفلات بحسب ادعاء الاحتلال .

تصريحات بعض المسئولين في الحكومة المعيّنة ليست مهمة، فهي مجرد غطاء لمشروع تقويضي لم تتراجع عنه واشنطن. المهم هو مراقبة ما يصدر من تصريحات عن مسئولين إقليميين وسفراء الولايات المتحدة في المنطقة... فهذه تشير إلى وجود سياسة لم تقطع عن فترة الولاية الأولى للرئيس جورج بوش. وكل ما قيل عن تغيرات في توجهات الإدارة الأميركية ليست سوى «قنابل دخانية» تشبه كثيراً تلك القنابل التي فجّرها الاحتلال قبل أيام من اجتياح الفلوجة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 827 - الجمعة 10 ديسمبر 2004م الموافق 27 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً