العدد 827 - الجمعة 10 ديسمبر 2004م الموافق 27 شوال 1425هـ

مكافحة الفساد تتطلب «استراتيجية وطنية» وصحافة حرة

نواب الخدمات يساهمون في استشراء... رئيس الشفافية لـ «الوسط»:

المنامة - المحرر الحقوقي 

10 ديسمبر 2004

طالب رئيس جمعية الشفافية جاسم العجمي بوضع «استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد»، يشترك فيها الجميع، كما طالب بوضع قانون لمكافحة الفساد، وقانون «حق الاطلاع على المعلومات»، داعيا إلى تطوير القوانين التي تعطي استثناءات لأصحاب المناصب. كما نوه بأن من أهم العوامل المساعدة على استشراء الفساد تقييد الصحافة و«ظهور نواب الخدمات» و«الواسطة» و«المحسوبية» و«المحاباة»، كما تحدث عن دور جمعية الشفافية في (التوعية) واستثنائها «لورقة الجماهير» من آليات ووسائل الضغط، جاء ذلك في لقاء خاص لـ «الوسط» مع العجمي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد في 9 ديسمبر/كانون الأول، وفيما يلي نص الحوار.

جزء كبير من دور جمعية الشفافية «الحصول على المعلومات» لكشف الفساد، فكيف تحصلون على المعلومات في ظل تحفظ المؤسسات الخاصة والعامة، على الكشف عن معلوماتها، لاسيما الوزارات الحساسة؟

- مسألة المعلومة، تحمل الكثير من الأبعاد، توفر المعلومة بعدا، دقة المعلومة بعدا ، كما أن وسيلة الحصول على المعلومة بعد ، المعلومة لها أهمية كبيرة ليس في مكافحة الفساد فقط، إذ إن لها بعد تنموي، والحديث عن مكافحة الفساد، والشفافية ينبع من تأثيره على التنمية بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. نحن بحاجة إلى إلقاء الضوء على ما تطرقت اليه منظمة الشفافية العالمية، في تقرير الفساد العالمي قبل سنتين إذ اعتبر أن الحصول على المعلومة وتوافرها احد المتطلبات الاساسية لمكافحة الفساد وفي هذا الاطار تدعو منظمة الشفافية الدولية الدول لإصدار تشريعات وقوانين تعطي المواطن الحق في الاطلاع، على ما تمتلكه مؤسسات الدولة من معلومات، وبالتالي نحن نحتاج في البحرين - وهذا من مشروعات الجمعية الاساسية - إلى التعاون مع المجلس الوطني وذلك بتقديم مسودة قانون «الحق في الاطلاع»له.

حق الجمهور في

الحصول على المعلومات

هناك الآن نحو 52 دولة في العالم تعطي المواطن الحق في الاطلاع، وكثير من الدول ذهبت الى أبعد من ذلك في اعطاء الجمهور هذا الحق، ولا ينحصر الحصول على المعلومات في وجود القانون من عدمه بل لابد من الالتفات إلى بعد سهولة الحصول على المعلومات، وكلفة المعلومات، ولابد ألا تتعدى كلفتها قيمة الشريط الذي يحويها.

هناك 30 دولة في العالم في مرحلة اقرار ومناقشة القانون، وللأسف لا توجد دولة عربية من الـ 82 دولة (52 لديها قانون، 30 تناقش القانون) وصلت إلى هذه المرحلة.

كما انه من المفترض أن يعاد النظر في الكثير من القوانين، المنظمة لعمل مؤسسات الدولة، بتضمين هذه القوانين مواد تلزم هذه المؤسسات بالافصاح عن المعلومات في اوقات محددة، وتنشرها في أية وسيلة اعلامية، لاسيما اننا في عصر «الحكومة الالكترونية»، ومن المفترض أن تجد المعلومة في المواقع الالكترونية للوزارات، وعلى المؤسسات أن توفر ذلك، بحيث لا تدفع المواطن للجوء لاستخدام حقه القانوني، ان وجدت وسيلة تشريعية تعطيك الحق في الحصول على المعلومة.

في ظل هذا التعتيم، هل تحصلون على المعلومات؟

- هذه ليست مشكلة «الشفافية» فقط، بل مشكلة يعاني منها الكثير من الباحثين، وبحكم عملي في الجامعة، والاطلاع على خبرات الكثير من الزملاء، مؤسسات الدولة، تتبين معاناتهم من الحصول على المعلومات التي يريدونها، لذلك يصعب علينا كتابة تقارير موضوعية، ولا تعتمد على الاشاعات لأننا لا نستطيع الاعتماد على معلومات غير موثقة، كما ان مجال عمل الشفافية يتلخص في «خلق بيئة طاردة للفساد» أكثر من متابعة حالات الفساد، ومن الممكن النظر الى متابعة حالات الفساد من منطلق دراسة الاسباب التي دعت الفاسد في موقع ما، استغل منصبه وموقعه من أجل الحصول على منافع شخصية، ومن صلب مهمات النيابة العامة متابعة هذه الحالات.

من أحد القضايا التي تحتاج السلطة التشريعية إلى ان تنظر فيها الصلاحيات الممنوحة لموظفي القوانين، إذ لابد من الحد من الاسثتناء، لأن الكثير من القوانين تعطي منفذي القوانين صلاحية الاستثناء، لأنها تمكن البعض منهم في الحصول على منفعة، لان الفساد يعرف في الاساس باستغلال الوظيفة.

عمل الشفافية يتركز في أي موقع تنشأ فيه علاقة وكالة، هناك وكيل وأصحاب حق.

على سبيل المثال تقدر الشفافية الدولية حجم الخسائر في قطاع المشتريات الحكومية بمقدار 400 مليون، وذلك مجرد تقديرات، لأن عملية الرشوة كلها تتم تحت الطاولة. كما يقدر البنك الدولي حجم الرشاوى العام الماضي بترليون دولار.

نحتاج لتسهيل العمليات الادارية والحد من «البيروقراطية»، وفي دولة من الدولة، اراد شخص تسجيل سيارة وبينه وبين انتهاء الموعد تسعة ايام، واتضح ان تسجيل السيارة مرتبط بكل مخالفة قام بها هذا الشخص، ولأن لديه مشكلة مع البلدية، فقد طلبوا منه إحضار رسالة من الورثة، لأن الأب قد توفي، بالتالي انتقلت المشكلة للورثة، ووصل الخلاف الى المحكمة، وفي النهاية حل المشكلة بواسطة! اذا تصل البيروقراطية الى هذه المرحلة!

نظام النزاهة الوطني

كيف تسقط البيروقراطية علينا؟

- لا يوجد تسهيل للعمل الاداري، فعلى سبيل المثال، اذا كان للموظف الحق في ان يحدد مدة الموافقة ردا على طلب رخصة معينة، من دون تحديد فترة زمنية محددة، فمن الممكن ان يستغلها، ومن الممكن وضع الملف في الدرج، ولكن كثير من الدول حددت فترة زمنية معينة، بحيث اذا مر على المعاملة 30 يوماً، من دون رد، فهذا يعني انه قد تمت الموافقة على المعاملة اوتوماتيكيا، لذلك لابد من تقليل الصلاحيات للموظف اذا لم يكن يحتاج اليها. وذلك لتقليل المركزية، والبيروقراطية.

ولتحقيق «نظام النزاهة الوطني» فلابد من الابتعاد عن تلك الإجراءات والفصل بين السلطات الثلاث، مع ضمان قوة كل سلطة.

وفق هذا الطرح فهذا يعني ان بيننا وبين تطبيق «نظام النزاهة الوطني» مسافة طويلة؟

- لابد أن نعمل، لأن ذلك لن يجيء ما بين يوم وليلة، لابد ان يكون هناك استقلال واضح وقوي في السلطات الثلاث، كل سلطة لابد ان تكون قوية، ولذلك علاقة بكيفية تشكيل السلطة التشريعية فلابد من وجود نظام انتخابي يضمن النزاهة، والشفافية، وحرية الانتخاب وعدالة الاصوات،

نائب الخدمات أحد مظاهر الفساد

و في تقرير نشر أخيراً في الكويت نشرته احدى مؤسسات الدولة وهي مكتب خدمة المواطن، المربوط برئاسة مجلس الوزراء، أدرج تلخيص لأهم اسباب الفساد في توزيع الدوائر الانتخابية، المفترض بقدر الامكان ان يتم توزيع الدوائر الانتخابية الضامنة لأن يمارس النائب دوره كنائب الأمة وليس نائب خدمات، نائب الخدمات احد مظاهر وأسباب الفساد.

دور النائب يتلخص في أن يكون مشرعا وليس مخلص معاملات، لذلك كلما صغرت الدوائر الانتخابية كلما ظهر نائب الخدمات، وهنا للتنظيمات السياسية دور أكبر، أي بدلا من الحديث عن بناء مشروع سكني في مكان ما، أن اشرع كيف تبنى المشروعات السكانية وان توزع بطريقة عادلة، كلما أعطيت المواطن مجالاً لأن يحاسب النائب بطريقة سياسية وليس بناء على ما يقدم لي من خدمات فهذا يعني بأنك ساهمت في طرد الفساد.

التصويت على الخدمة

كذلك إدخال المنافسة في عمل مؤسسات الدولة، او ادخال المبادئ المعمول بها في القطاع الخاص في مؤسسسات الدولة، وهذا يجعل المواطن يصوت على الخدمة سواء كانت جيدة أم لا.

وفي بريطانيا منذ العام 1992 ادخلت هذه المفاهيم في مجال الخدمات وخصوصا التعليم والصحة، بمعنى ان كل طفل في بريطانيا من حقه أن يختار المدرسة التي يدرس بها، والموازنة تعتمد على قدرة المدرسة على استقطاب طلبة وبالتالي المواطن يأخذ ابنه للمدرسة التي يعتقد انها توفر التعليم بالجودة التي يعتقد هو انها معقولة، وهذا يفرض على كل مدرسة ان ترفع مستواها من اجل ان تستقطب المزيد من الطلبة لتوظف الاساتذة، وجدير بالذكر بأن ليس من يدرس هو الذي يقيم، بل مؤسسة موضوعية.

وأطباء العائلة موازنتهم تعتمد على قدرتهم على استقطاب المرضى، أي لا اذهب إلى هذا المركز الصحي لأن منطقتي بالقرب منه. وبهذه الطريقة اجعل المواطن يصوت بشكل عملي على الخدمة.

كذلك نحتاج الى ان يكون لدى المؤسسات الخدمية اتفاق مع المواطن، أي تلزمه مثلا بالالتزام بالوقت، وقبل ان يخرج لابد من أن يملأ استبيان عن مستوى الخدمة، فمن المفترض أن يكون الجميع في كل مواقعهم في خدمة المواطن.

جمعية الشفافية

ذكرت أن من حق المواطن الحصول على المعلومات، بل ذهبت الى حق الجمهور في الحصول على المعلومات، وطالبت مؤسسات الدولة بالافصاح عما لديها، ولكن في المقابل جمعية الشفافية نفسها لا تقوم بهذا الدور، إذ غالبية ندواتها التي تكشف فيها عن معلومات متعلقة بالفساد نخبوية، وليست جماهيرية... أليس من حق الجمهور معرفة ما يدور؟!

- ندواتنا ليست مقصورة على النخبويين، فالحلقة الحوارية التي اقمناها بمناسبة يوم الفساد العالمي في 9 ديسمبر/ كانون الأول، اعلنا عنها في الصحف.

ولكنها ليست جماهيرية، ومقصورة، وكونها في قاعة مؤتمرات، فتظل للنخبويين... يبدو أنكم تتحسسون من «الجماهير» لتبعدوا عنكم تهمة «التجييش»...

- ليست قضية تحشيد، عمل «الشفافية» عموماً، هو العمل الحقوقي نفسه، ولا يعتمد على الجماهير.

البعض يعتبر الجماهير ورقة ضغط...

- قد تكون ورقة للضغط، لكن في النهاية انت تريد تحقيق الهدف بافضل السبل، خصوصا أن في البحرين توجه الاتهامات لمؤسسات المجتمع المدني بتسييس كل قضية، «الشفافية» تحاول في عملها أن تكون مهنية وموضوعية، من السهل كسب الجمهور، إذا دغدغت مشاعره.

البعض انتقدنا نتيجة إصدارنا ما يبين أن وزارة الاسكان وزعت الوحدات الاسكانية الأخيرة وفق المعايير التي حددتها الوزارة، وترافق ذلك مع اعتصامات الأهالي أمام الوزارة، هذا النوع من العمل قد لا يتوافق مع ما يتطلبه العمل الجماهيري، فالسياسي من الممكن أن يقوم بهذا الدور، حتى وإن كنت مقتنعاً داخليا بأن شخصاً ما يمارس ممارسات فاسدة، فان لم احصل على دليل مادي فلا اتجرأ ان اوجه اتهاماً له، لأني مسئول عن تقديم ادلة. وهذا عمل عام يشترك فيه الجميع وكل المؤسسات.

ولكن انتم اصحاب الدور والمعنيون؟

- الكثيرون يتوقعون منا ان نكون في المقدمة وأن نكتل القوى لتعزيز الشفافية، لكن نحن ندعو لذلك، اعضاء مجلس الشورى والنواب تبنوا ما طرحناه في بيان عن اتفاق مكافحة الفساد، ولكن معالجة الفساد تتم على مراحل طويلة الأمد.

استثناء ورقة الجماهير

ما هي آليات الضغط التي تتخذها «الشفافية» لمكافحة الفساد؟

- التعامل مع الاعلام وطرح القضايا بصورة هادئة، واللقاءات التي تتم مع الكثير من المسئولين ولا يتم الاعلان عنها.

ومن خلال علاقتنا بالسلطتين التشريعية والتنفيذية وحتى المؤسسات التي انشئت بعد المشروع الاصلاحي، والالتقاء بها ومحاولة إقناعها بأن الشفافية من صالح المسئول والجميع.

أي ان دوركم توعوي بالدرجة الأساسية... وورقة الجماهير مستثناة من وسائل الضغط؟

- نعم، واما عن ورقة الجماهير فالتنظيمات السياسية أكثر قدرة على الاستفادة من هذه الورقة، نحن نطمح لأن نكون مركز أبحاث.

كيف علاقة «الشفافية» بالمنظمات الخارجية (الخارج)؟

- نحن جزء لا يتجزأ من منظمة الشفافية العالمية، وهذه المؤسسة أنشئت في العام 1993 من قبل مجموعة غالبية أعضائها مؤهلون أكاديميا، لم يكونوا يعملون في ظل اوساط دولية، كانوا يعملون في البنك الدولي، تجاربهم اعطتهم صورة واضحة عما يجري في دول العالم الثالث بحكم عمل البنك الدولي في العالم الثالث، وكثير من الابحاث كانت تشير الى ضعف استفادة المواطن من القروض الذي يقدمها البنك الدولي، حاولوا أن يضغطوا داخل البنك الدولي، ان يغير البنك من تعامله مع هذه الدول، بمعنى ان يلزمهم من الشفافية، من أجل ان يصل الدولار الذي يدفعه البنك الى المواطن، لا يستطيعوا، لذلك قرروا ان يستقيلوا من البنك واسسوا المنظمة. مقرها في برلين، ولها أكثر من 85 فرعاً، ونعمل بشكل مشترك مع الناشطين العرب في الشفافية لكتابة كتاب يشكل مرجعية للدول العربية في هذا المجال، كما نتصل بمراكز الدراسات والبحوث.

ضغطت منظمة الشفافية على الدول لتوقيع اتفاق مكافحة الفساد، وانتم جزء من المنظمة وكثيرا ما تركزون على التوقيع، في حين (نظريا) البحرين انضمت الى اتفاق مناهضة التعذيب الذي ينص على «تقديم المسئولين عن الانتهاكات للقضاء»، وتضمن الاتفاق القضاء على كل أشكال التمييز العنصري ولكن (عمليا) لا شيء من هذه النصوص يُطبق على الأرض، كما لم تُبدل التشريعات المحلية لتتواءم والاتفاقات التي انضمت لها المملكة، فلماذا كل هذا الإصرار على توقيع اتفاق مكافحة الفساد؟

- فلننظر الى المستقبل، والمستقبل افضل من التاريخ، ونحن بيدنا كمواطنين التعاون مع كل السلطات بأن نجعل المستقبل أفضل مما مضى، وفي حال عدم وجود الاتفاق، لا تستطيع أن تستند إلى شيء، فالاتفاق مرجعية، وبعد التصديق عليه يصبح مرجعية للجميع، كلنا ارتضينا ان نصدق على الاتفاق والآن مرحلة التطبيق على الجميع، مطلوب منا ان نجعل الاتفاق واقعا.

نحتاج قانوناً لمكافحة الفساد، و استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد يشترك فيها الجميع، وهذا ما ينص عليه الاتفاق

العدد 827 - الجمعة 10 ديسمبر 2004م الموافق 27 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً