العراق كتاب مفتوح يحكي بطريقة مباشرة سلبيات التدخل العسكري والسياسي القسري وسط دعوات أميركية وغربية بضرورة إجراء إصلاحات في دول المنطقة مع التلميح إلى التجربة العراقية التي تجسد بعضا من أبشع مظاهر التدخل في شئون الآخرين. إلا أن الاعتراف الأميركي في «منتدى المستقبل» في الرباط بأن الإصلاح المقترح للمنطقة يجب أن يأتي من الداخل - وإن جاء متأخرا بعض الشيء - إنما يعطي دلالة واضحة على أننا كنا على حق عندما طرحنا ذلك. لكنه لا ينفي وسط الدفع الأميركي باتجاه تبني نهج ربما لا يتواءم مع المعطيات في كل دولة وبالتالي الانزلاق إلى واقع يتناقض مع ما هو حادث في المنطقة.

ثم إن الشكوك ما تزال محيطة بالدعوة الأميركية الغربية للإصلاح منذ بدايتها قبل أن يفطن مطلقو هذه الدعوة إلى أهمية الالتفات إلى المعايير الوطنية في كل دولة وأبعاد التصورات الغربية باعتبار أن بعضها غريب عن منطقتنا. ويبدو من المناسب في كل وقت تقديم أمثلة حية يمكن الاقتداء بها، ولعل العراق «أطزج» مثال باعتباره يحظى باهتمام دولي وبمعرفة واسعة بأسبابه وملابساته على نطاق العالم، وهو أيضا مثال لما قد تؤول إليه الأمور إذ جاءت إصلاحاتها من الخارج. لذا قبل أن تنضج تجربة «القدوة» وتؤتي ثمارها، يجب علينا ألا نعهد بإصلاحاتنا للخارج ليضعوا لنا منهجا نسير عليه ربما يقضي بموجبه على إصلاحات سياسية تبناها الملوك والقادة القائمون، وإن كان بعضها بطيئاً، إلا أن ما علينا سوى التريث ففي «العجلة الندامة». كما أن علينا الحذر والأخذ بـ «الأسوة الحسنة» وذلك كوننا محاطين بكل أنواع الأخطار. فنحن أمام عراق تمزقه الإضطرابات وتتوعده بما هو أفظع، وخصوصا أن العنف لا يولد إلا العنف، والساحة كلها خاضعة للتحديات الدامية، إذ من الصعوبة تحسس بادرة سلمية