العدد 830 - الإثنين 13 ديسمبر 2004م الموافق 01 ذي القعدة 1425هـ

المسيحيون المتعصبون في الغرب توقفوا عن التخفي على تشددهم

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

رئيس الاتحاد المسيحي الديمقراطي في ولاية شمال الراين وستفاليا، أكبر ولاية ألمانية يورغن روتغرز يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة وإذ يعيش فيها أكبر عدد من الأجانب وخصوصاً العرب، لا يصف نفسه بأنه خصم للأجانب. ولكن لديه تحفظات مشددة تجاه الأجانب الذين يقيمون بصورة دائمة في بلده. في القريب سيخوض روتغرز معركة انتخابية حاسمة أملا في أن يصبح رئيسا للوزراء في هذه الولاية التي يحكمها ائتلاف من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. لذلك يجد روتغرز أن ورقة الأجانب ستخدم حملته الانتخابية في ظل المناقشات الدائرة في ألمانيا عن مسألة إدماج الأجانب والمصاعب التي تعترضها. وليس سرا أن الحزب الذي ينتمي إليه روتغرز يستخدم هذه الورقة في تدعيم موقفه المعارض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقد اقترح روتغرز على حزبه حين تم عقد مؤتمر استثنائي للاتحاد المسيحي الديمقراطي بمدينة دوسلدورف مطلع هذا الأسبوع أن يجرى فرض تشديدات صارمة على المواطنين الأجانب الراغبين في العيش على الدوام في ألمانيا كي يقروا ويعترفوا بالثقافة الألمانية وإجبارهم على تعلم اللغة الألمانية. كما طالب روتغرز في اقتراحه على المؤتمر أن يجري دعوة الروابط الإسلامية في ألمانيا إلى إعلانها علنا التنصل من الأصوليين والتعاون مع أجهزة الأمن الألمانية في مكافحتهم. روتغرز مثل كثيرين من السياسيين الألمان وخصوصاً الذين ينتمون إلى المعسكر المسيحي المحافظ، يستغلون كل طارئ ليشيروا إلى فشل المشروع الذي نادى به الاشتراكيون والخضر ويعرف باسم مجتمع متعدد الثقافات. وكان أعلن الكشف عن محاولة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي المؤقت إياد علاوي خلال زيارته الأخيرة لبرلين، على رغم أن المدعي العام الفيدرالي لم يقدم إلى الرأي العام أدلة دامغة غير ترديده أنه تبين من خلال استراق سمع مكالمات هاتفية أجراها ثلاثة من العراقيين، أنهم كانوا يخططون للاعتداء على علاوي الأمر الذي دفع سلطات الأمن إلى التدخل قبل بدء التنفيذ، للترويج لأفكارهم التي تكشف عن وجود تحفظ متشدد عندهم تجاه الإسلام والمسلمين بالذات. ولايزال البعض في السياسة وفي أجهزة الإعلام يستغل هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 على الولايات المتحدة للإشاعة بأن ألمانيا بين الدول المهددة بالتعرض لعمل إرهابي واسع النطاق لأنها تساند الولايات المتحدة في الحرب المناهضة للإرهاب ولأن لديها أكبر قوة عسكرية في أفغانستان. وقد عرضت محطة التلفزيون الثانية «زد دي أف» فيلماً يشير إلى تعرض ألمانيا لاعتداء بأسلحة الدمار الشامل وهو السيناريو الذي يشير إليه السياسيون المحافظون بصورة خاصة. والرسالة التي تركها هذا الفيلم هي أن ألمانيا معرضة لاعتداء بمستوى هجوم 11 سبتمبر 2001 وثانيا أنها ليست على استعداد لمواجهة مثل هذا الاعتداء. ففي حال وقوع اعتداء بأسلحة كيماوية يتطلب الأمر معاينة 300 طبيب مدرب لكل 40 مصاباً وهذا العدد غير متوافر. كما ليست هناك أسرّة كافية وغرف عمليات في المستشفيات الألمانية لاستقبال عدد كبير من المصابين. بين عالم الخيال والشاشة الفضية والواقع شعرة.

ألمانيا دولة مسيحية تجد صعوبة بالغة في قبول الواقع الجديد، أولا: لأن أوروبا تغير لونها. ثانيا: لأن المجتمع في ألمانيا أصبح متعدد الثقافات سواءً أراد السياسيون الألمان ذلك أم أبوا. نحو 3 ملايين مسلم غالبيتهم من الأتراك من أصل 8 ملايين أجنبي يقيمون بصورة دائمة في ألمانيا. وباعتراف البوليس السري الألماني فإن عدد الأصوليين بين المسلمين لا تزيد نسبته على 1 في المئة. وتشعر الروابط الإسلامية بالرضا عن كل عملية إحباط عمل إرهابي سعت إليه منظمة أصولية أو إبعاد أصولي عن البلاد وكان موقف مسلمي ألمانيا جليا حين تم إبعاد الاصولي التركي محيي الدين قبلان الملقب بخليفة كولون إلى بلده إذ يحاكم حاليا بتهمة الخيانة العظمى. لم تحتج منظمة إسلامية واحدة على قرار إبعاده بل أثار القرار ارتياح المسلمين في ألمانيا عامة لأن قبلان، نجل مفتي أضنه السابق، كان يمارس نهجا يسيء لسمعة الإسلام. فقد أعلن نفسه خليفة على مدينة كولون التي منحته المأوى بعد أن حصل على حق اللجوء السياسي ثم أعلن وثيقة قَسّم فيها ألمانيا إلى ولايات تابعة إلى دولة الخليفة ثم أصدر فتوى بقتل أحد منافسيه بعد انشقاقه عنه. غير أن تصرفات فردية لبعض المسلمين لا تعبر عن الصورة الحقيقية للإسلام. فالصورة الحقيقية عن الإسلام لم تحصل على فرصة واقعية بعد ليطلع الغرب عليه. منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران اتخذ الغرب موقفا تجاه الإسلام وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي تم استبدال الخطر الشيوعي بما يسمى اليوم بالخطر الأخضر. وجاء هجوم الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة ليعزز حملة استعد المحافظون الجدد في واشنطن لها جيدا. وكان من أبرز نتائج هذا الهجوم إعلان ما سمي الحرب المناهضة للإرهاب التي مكنت الأميركيين من غزو أفغانستان واستبدال نظام الحكم فيها ثم قاموا بحملة عسكرية على العراق بناء على أدلة كاذبة منها أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين أقام صلات مع (القاعدة) وأنه يحوز أسلحة الدمار الشامل.

في ألمانيا كما في الولايات المتحدة تدعو منظمات مسيحية إلى العودة إلى مبادئ الدين المسيحي. في الولايات المتحدة أصبح الدين يلعب دورا بارزا في الحياة السياسية. وكان هذا واضحا في انتخابات الرئاسة التي جرت في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني في الولايات المتحدة. وفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» فإن كل خامس ناخب أي 25 مليونا أميركيا يعيرون أهمية كبيرة للمبادئ وان اعتقادهم هذا ساعدهم على اتخاذ قرار انتخاب جورج دبليو بوش. يذكر أن بيانات مؤسسة (غالوب) لاستطلاع الرأي أوضحت أن غالبية الأميركيين كانوا في الستينات يحبذون الفصل بين الكنائس والسياسة. وكشف خبير الأديان الألماني غايكو مولر فارنهولز في آخر كتاب له عن تنامي نفوذ التيار المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة وأن هذا التيار بدأ مرحلة الانتشار خلال القرن التاسع عشر وحاليا بلغ أوجه. وأمضى الخبير الألماني سنوات في الولايات المتحدة للتحضير لمادة الكتاب. من بين المنظمات المتشددة الواسعة النفوذ منظمة حزام الإنجيل التي تساند «إسرائيل» بصورة تفوق الدعم الذي يوفره اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة للدولة العبرية. وحين زار رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون الولايات المتحدة حديثاً طلب زيارة أصدقاء «إسرائيل» في القسم الجنوبي من الولايات المتحدة إذ توجد غالبية مؤيدي منظمة حزام الإنجيل. وقام شارون بهذه الخطوة قبل اجتماعه مع أركان اللوبي اليهودي. بيد أنه لم تجر في الولايات المتحدة عمليات استطلاع عن المعتقدات الدينية عن الأميركيين إلا أن خبير الأديان الألماني غايكو مولر فارنهولز يعتقد أن انتشار الأصوليين بين المسيحيين في الولايات المتحدة ليس ظاهرة وإنما بات واقعا نسبة للانتشار الواسع للمنظمات الأصولية في الولايات المتحدة والتي تمتلك محطات تلفزيون. كما يعزز ذلك النجاح الكبير لسلسلة كتب Left Behind من عمل تيم لاهايي وجيريمي بي جنكنز والتي يجرى فيها وصف الأيام الأخيرة التي تسبق القيامة ونهاية البشرية. يجرى فيها وصف لعودة ظهور المسيح. منذ ظهور الطبعة الأولى من الكتاب المؤلف من 12 جزءاً في العام 1995 تم بيع 60 مليون نسخة منه. إلى جانب وجود نسخة للأطفال ونسخة صورت في أفلام للسينما والتلفزيون فإن غالبية الذين قرأوا الكتاب هم من النساء في سن متوسطة وكبار بالسن وجنود يخدمون في العراق. ويعتقد مولر فارنهولز أن ما بين 30 مليونا إلى 50 مليونا أميركياً يعتقدون أن نهاية البشرية دنت. كثير منهم يجد الدليل في قيام دولة «إسرائيل» العام 1948 إذ حين يسيطر اليهود على فلسطين بالكامل سيظهر المسيح على الأرض. وهذا هو السبب الديني وراء دعم المسيحيين المتشددين في الولايات المتحدة لـ «إسرائيل» في النزاع مع الفلسطينيين

العدد 830 - الإثنين 13 ديسمبر 2004م الموافق 01 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً