توفي خلال الفترة الماضية المزيد من الاشخاص من المعامير في ظروف يشك انها عائدة للأجواء المتسممة المحيطة بالقرية، وانتهت حديثاً مراسم قراءة الفاتحة على روح أحد أبناء قرية المعامير والذي كان من المشهود لهم بالخير والعمل الصالح والذكر الحسن بين أهالي القرية، ودّعه الأهالي بعد أن عانى من المرض الشديد الذي يعتقد أهالي المعامير أن سببه هو الأجواء الملوثة التي يعانون منها في قريتهم، ويذكر أن قرية المعامير شهدت في السابق عدة حالات وفاة كان سببها أمراض السرطان وبعض الأورام الخبيثة التي يعتقد أهالي القرية أن سببها الرئيسي هو الأجواء الملوثة التي تعاني منها القرية ولا يتردد الأهالي بذكر ذلك بكل صراحة وهم هذه المرة بعد أن فارقوا حَديثاً فقيدهم أصبحوا يرددون بأنهم ينتظرون فقط أن تطال القائمة أشخاصاً آخرين يعانون من هذه الأمراض والتي يؤكدون من جديد أن سببها التلوث.
عانت قرية المعامير من عدة حالات وفاة كان سببها الأمراض الخبيثة والسرطان وأمراض الرئة، وتنتشر بين أهالي القرية قائمة بأسماء المتوفين من أهالي القرية والذين كان سبب موتهم حسب ما يعتقده أهالي القرية هو الإهمال الكبير الذي يناله موضوع التلوث في القرية، فحسب كلام أهالي قرية المعامير فإن لا أحد من المسئولين يعطي مشكلة التلوث أهمية حقيقية واعتباراً لها وهم لا يهتمون بوجهات نظر الأهالي التي ترفع لهم بين الحين والآخر عبر الرسائل أو عبر وسائل الإعلام أو حتى عندما قام بعض أهالي القرية حديثاً بالتظاهر احتجاجاً على مشكلة التلوث.
واختار بعض المسئولين في فترة سابقة قريبة أن يتم زرع بعض النخيل كدلالة على اهتمام المسئولين بمشكلة التلوث إلا أن هذه العملية لم تتم متابعتها وماتت النخيل الست (والتي كان يتوقع المسئولون أنها ستحل مشكلة التلوث) ومات وراءها اهتمام المسئولين بمشكلة التلوث، هذه المشكلة التي تقلق بال أهالي القرية يوما بيوم.
أهالي القرية... يحكون حقيقة مشكلة التلوث
في هذه الأثناء تتحرك بعض جهود أهالي القرية نحو إصدار دراسة تستطلع آراء أهالي القرية نساءً ورجالاً بشأن مشكلة التلوث، وكما يبدو أن هذه المحاولة (وهي محاولة جداً جادة من أهالي القرية) ستحمل للأخوة المسئولين في الشركات والحكومة بعض المفاجئات، فالخطوط العامة التي برزت من خلال الاستبانة التي قامت بجهود الأهالي أنفسهم وبمبادرة منهم لا توحي بأن المشكلة تتوجه للحل، إذ إن هناك إقراراً جماعياً من أهل القرية بوجود مشكلة تلوث على مستوى خطير في القرية وان هناك مسئولية كبيرة على عاتق المسئولين يجب أن يتحملوها تجاه القرية.
فأهالي القرية يقولون إن «القرية محاطة بالمصانع من جميع الجهات» وهذا في حد ذاته مشكلة كبيرة والبعض الآخر لا يتردد في الإشارة الواضحة إلى «حظائر الأغنام» الموجودة بقرب القرية وأنها تزكم الأجواء بروائح نتنة بين الحين والآخر، والبعض الآخر يذكر تأسفه على حال «ساحل القرية الذي كان يوماً من الأيام غنياً بالكثير من أنواع السمك» والذي أصبح الآن محطة لرمي فضلات بعض الشركات.
البعض الآخر يشتكي حاله إذ يسكن مواجها وجها لوجه «لمصانع تقوم بتصنيع الخرسانة ومعالجة الأوساخ والقاذورات» حتى أن الفرق بين بوابة المنزل والمصنع لا تتجاوز الثلاثة أمتار، وهؤلاء يصبح أطفالهم ويمسون على الأصوات المرتفعة للمصانع وللشاحنات التي تجوب المنطقة الصناعية.
وبينما تكون الرياح سبباً لجلب الهواء العليل لباقي القرى في البحرين فإن الرياح في قرية المعامير حسب قول الأهالي هي «سبب لملء بيوتهم بالرمل والغبار الناتج عن مصانع الرمل والكسارات العاملة في المصانع القريبة منهم».
ولا يتردد بعض أهالي القرية في الإشارة إلى أن تزايد حالات السرطان وتزايد حالات الموت بالأورام الخبيثة هو بسبب حالة التلوث المزمنة التي تعاني منها قرية المعامير.
إن هذه المقولات التي تتردد كثيراً بين أهالي القرية المعامير من الممكن لها أن تجعل الجميع في قرية المعامير يتساءل عن عدم الاهتمام بمشكلتهم ويتساءلون في أعماقهم... لماذا يقوم المسئولون فقط بتكذيبنا وبتجاهلنا... هل لأن ذلك أصعب من مواجهة مشكلات القرية؟
والمسئولون... يحكون للجميع بأن ليست هناك مشكلة
المسئولون (رؤساء الشركات، وزارة الصحة، النواب، المجلس البلدي) من جهتهم لم يتفقوا على صيغة معينة للنظر في دعاوى وشكاوى أهالي القرية فبعضهم تجاهل القضية من أساسها وكأنها لا تعنيه أو اطمأن قلبياً بأن الموضوع خارج اختصاصه والبعض الآخر لربما اكتفى بمتابعة ما يصدر بين الحين والآخر عن المشكلة في الصحافة والمحافل الأخرى.
أما المسئولون ممن تمت الإشارة إليهم صراحة من أبناء أهالي قرية المعامير فإنهم بدورهم اختاروا لأنفسهم أن تكون روايتهم مضادة لرواية أهالي القرية، فهم حسب قولهم في تصريحاتهم لا يعترفون بأن هناك مشكلة تلوث تعاني منها القرية وأن ما يقوله أهالي القرية هو مجرد كلام عمومي خاطئ وأن الأمر كله مجرد ظروف جوية معينة في أوقات محدودة وأنه من الخطأ إثارة الوضع بهذه الطريقة التي لا تستند على حقائق.
وهم بدورهم (أي المسئولين) على استعداد ومن خلال بعض المشروعات البيئية وبعض التقارير التي تعاين وضع مصانعهم بيئياً لأن يجلبوا الاطمئنان إلى أهالي قرية المعامير، فهؤلاء المسئولون يصرون على أنه لا أساس سليم أبداً لمشكلة التلوث التي يضخمها أهالي قرية المعامير.
المضحك المبكي في هذا المجال هو حجم الوعود التي تلقتها قرية المعامير من المسئولين في كلٍ من الشركات والحكومة والتي لم ير منها النور، ومن يراجع المراسلات التي جرت والمتابعات الصحافية في هذا المجال سيدرك حقيقة الوضع.
لكي لا تضيع المعامير... لابد من حل
لا أجد بين يدي شيئاً تطرحه الشركات غير ما طرحته سابقاً من ترضيات وحلول (تشجيرية) تكاد لا ترقى إلى حجم المشكلة التي يتكلم عنها أهالي قرية المعامير، إلا ان أهالي قرية المعامير يطرحون الكثير من الحلول التي يرون أنها ستساهم في حل مشكلتهم، ولعل أبرز ما تم طرحه في هذا المجال هو ذلك الحل الذي يتكلم عن جلب شركة أجنبية لتقوم بدراسة الوضع البيئي للقرية.
الفكرة تقوم أساساً على أن تقوم الجهات المعنية بالمشكلة (مؤسسات القرية من جهة والمسئولين في المصانع والحكومة من جهة أخرى) بالتفاهم على أنه لابد أن يتم عمل دراسة بيئية جادة لتضع الأمور في مكانها الصحيح. ولابد للمقترح أن يبدأ تنفيذه على أساس من التفاهم بين الأطراف وإلا فلن يكون هناك جديد.
المقترح يتكلم عن أنه لابد أن تقوم بعمل هذه الدراسة جهة محايدة ولابد أن تكون متخصصة في البيئة وأنه من المستحسن أن تكون القائم عليها جهة أجنبية تحريا للأمانة والدقة والخبرة.
ويرى أهل القرية ان هذه الدراسة يجب أن يتم الإسراع في القيام بها، فهي من الممكن أن تحل الكثير من المشكلات العالقة منذ زمن، ولعلها توقف سيل الخسائر في الأرواح والأموال بسبب التلوث
العدد 828 - السبت 11 ديسمبر 2004م الموافق 28 شوال 1425هـ