اختتم «منتدى المستقبل» أعماله في الرباط بمشاركة الدول العربية وحضور منظمات إقليمية ودولية. وجاء «المنتدى» في سياق سلسلة مؤتمرات ينظمها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الثماني والأمم المتحدة للبحث في إجراءات إصلاحية يعتقد أنها ستسهم في تطوير آليات التقدم وتدفع بالدول «الفاشلة» إلى تجاوز العقبات ودخول عصر ما يسمى بالعولمة.
وتكثف انعقاد مثل هذه المنتديات في السنة الجارية فجرت لقاءات كثيرة تعالج مسألة الإصلاحات وغيرها في امكنة مختلفة في الفترة التي امتدت من مارس/ آذار الماضي إلى ديسمبر/ كانون الأول الجاري. ففي هذه الفترة عقدت قمة في بروكسل بإشراف الاتحاد الأوروبي، وقمة عربية شابتها بعض المشكلات والحساسيات في تونس، واجتماع مجموعة الثماني في سي آيلاند في جورجيا (الولايات المتحدة)، وقمة الحلف الأطلسي (الناتو) في اسطنبول، وغيرها من لقاءات جرت في الاسكندرية، وعالجت كلها رزمة من الأوراق تبحث كلها مسألة الإصلاح في إطار ما يسمى بمبادرة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا. وجاء «منتدى المستقبل» في الرباط ليكمل حلقات السلسلة التي تقول كل الأشياء وتنتهي إلى لاشيء من الإجراءات والأفعال الميدانية.
إنها قصة طويلة لا تنتهي. فما أن يبدأ الفصل في الرواية حتى ينتهي إلى فصل جديد ليبدأ النقاش من الصفر، وتعود الكلمات لمعالجة البديهيات. التكرار سمة أساسية في مثل هذه المؤتمرات واللقاءات والقمم. فهي تبدأ من لاشيء وتنتهي إلى لاشيء. فكل مؤتمر يعيد إنتاج اطروحات ما سبقه من مؤتمرات وتنتهي الجلسات الختامية إلى إعادة صوغ بيان يرتب الفقرات بأسلوب جديد ولكن جرهر المسألة يبقى كما هو.
اتفق «منتدى المستقبل» على أهمية الإصلاح وضرورته، واختلف المنتدون على وسائل الإصلاح وكيفية حصوله ومن أين يبدأ؟ وما هي الطرق الأفضل لتحقيقه؟ وانتهى الحاضرون إلى على بيان ختامي يؤكد الإصلاح مع ملاحظة قيلت مراراً في ندوات سابقة وهي «مراعاة خصوصية الشعوب والمجتمعات» و«احترام الثقافات»... وأخيراً وليس آخراً يفضل أن يكون الإصلاح «من الداخل» لا «من الخارج».
والسؤال ما الجديد في «منتدى المستقبل»؟ وهل اكتشف المنتدى «السر» واهتدى إلى مفتاح «الباب» أو التقط «فانوس علاء الدين» وتعلم أسلوب المسح على «الفانوس» ليظهر المارد ويقول «شبيك لبيك عبدك بين ايديك».
إنها فعلاً مسخرة أو أضحوكة «المارد» على الشعوب المستضعفة (المسكينة والفقيرة) التي استضعفت إلى حد أنها أصبحت تصدق كل ما يقال لها حتى تلك الاسطورة والروايات المنقولة عن «فانوس علاء الدين».
المشكلة في هذه «المنتديات» وآخرها «منتدى المستقبل» في الرباط ليست في انعقادها وما يقال فيها من كلام في أروقتها. المشكلة هي أن نصدق مثل هذا الكلام ونعتقد في النهاية أن التطور هو تبطُّل عن العمل وانتظار الفرج من «المارد الجبار» القادر على كل شيء. والمشكلة أيضاً أن تتحول «المنتديات» إلى سياسة بديلة عن السياسة المطلوبة وتصبح سوق عكاظ لترويج البضاعة فيتحول «المنتدى» إلى ورشة عمل لاستهلاك ما ينتجه الآخر وتتوقف ورشات العمل الحقيقية بانتظار «المارد الجبار» الذي سيخرج من «الفانوس» ويحل مشكلات الشعوب بضربة (مسحة) صغيرة من «علاء الدين».
مثل هذه المنتديات - التي لا تنتهي في مناقشة الأوراق نفسها وتكرار الأفكار التي قيلت مراراً في مئات اللقاءات - أخذت تسهم في زرع الأوهام وتسخيف المشكلات والتقليل من شأن العمل والانتاج وبذل الجهود للتغلب على العقبات والصعوبات. فالمشكلة أصبحت الآن كيف نعمل للتخلص من الكميات المهملة من الأوراق والعودة إلى اقناع الناس بأن التطور له شروطه الزمنية وله صلة بعناصر القوة ومصادر الثروة والتوزيع العادل لها والوضوح في الرؤية والاخلاص في العمل وإعادة تشكيل ثقافة تحترم العمل والعمال. فهذه العناصر لا صلة لها بالإصلاح «من الخارج» أو «من الداخل»... انها فقط إصلاح. والإصلاح حاجة وضرورة واحساس داخلي وهو لا ينهض من دون إنسان يحترم نفسه ويحترم غيره وعنده قابلية للحياة والاستعداد للتطور ويملك طموحات وخطة عمل.
المشكلة في مثل هذا النوع من «المنتديات» ليست في انعقادها وانما بعد انعقادها. فهي دائماً تطرح السؤال: ماذا نعمل الآن؟ وما السبيل إلى تحقيق خطة (إجراءات) للإصلاح؟ وعدم التوصل إلى جواب لتلك الاطروحات النظرية سيؤدي «مستقبلاً» إلى توليد أجيال تتوهم أن الإصلاح مسألة بسيطة، وانه يمكن التوصل إليه عن طريق الاتكالية المحلية أو الاتكاء على دولة عظمى تقوم مقام المارد في «فانوس علاء الدين»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 828 - السبت 11 ديسمبر 2004م الموافق 28 شوال 1425هـ