وهكذا اجتمع ممثلون عن الدول الصناعية الكبرى (مجموعة الثماني) وممثلو دول المنطقة في المغرب هذا الأسبوع تنفيذاً للبرنامج الذي وافقت عليه دول الثماني في قمتها المنعقدة في أميركا في يونيو/ حزيران الماضي.
مجموعة الثماني وافقت على عقد «منتدى المستقبل» للتشاور مع قادة الشرق الأوسط بشأن موضوعات الإصلاح، وكانت النية هي إشراك المسئولين وممثلين عن أصحاب الأعمال والمجتمع المدني، ولكن يبدو أن المسئولين في الشرق الأوسط استطاعوا فرض رؤيتهم في هذه النقطة بالذات وغابت الفعاليات الأخرى.
مجموعة الثماني طرحت برنامجاً تحت عنوان مبادرة لإصلاح «الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا» وهو الاسم الرسمي البديل عن «الشرق الأوسط الكبير» الذي رفضته أوروبا التي تفصل بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط المعروف تقليدياً بالمنطقة الممتدة من مصر إلى إيران عرضاً ومن تركيا إلى اليمن طولاً. والأوروبيون تنازلوا قليلاً وأضافوا كلمة «الموسع» لأن أميركا أضافت باكستان وأفغانستان لهذه المنطقة... وهكذا أصبحنا الآن ضمن منطقة «الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا».
الأوروبيون يطرحون أنموذج «عملية برشلونة» أو ما يطلق عليها بـ «الشراكة الأوروبية المتوسطية» وهي مشروع أوروبي بدأ العام 1995 لإقامة علاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط ترتبط بمنهج إصلاحي اقتصادي - سياسي. ونجحت أوروبا في دعم التطور الاقتصادي في تونس مثلاً وعدد من البلدان الأخرى، ولكنها فشلت في التأثير على الجانب السياسي بدليل أنه لم تتغير السياسات (نحو مزيد من الديمقراطية) في الدول التي دخلت في «عملية برشلونة». والاتحاد الأوروبي يتحاور مع دول أخرى على أساس هذا الأنموذج الذي يربط تطوير العلاقات بالانفتاح والتطوير الاقتصادي مع حديث ملطف (غير صارم) عن الانفتاح والتطوير السياسي.
الأميركيون لديهم برنامج آخر بدأ العام 2002 بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، ويطلق عليه «مبادرة الشراكة الأميركية الشرق - أوسطية» واختصارها باللغة الانجليزية (MEPI). ومن خلال هذه المبادرة دعمت وزارة الخارجية الأميركية نشاطات كثيرة في بلدان الشرق الأوسط. والفكرة التي طرحتها أميركا على مجموعة الثماني هي توسيع هذه المبادرة واعتمادها أساساً للعلاقات لأنها تربط - بشكل متساوٍ - بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي، بل إنها تغلّب الجانب السياسي وتترك الجانب الاقتصادي لاتفاقات التجارة الحرة بين أميركا والدول المختلفة.
وهناك مدرستان في أميركا حالياً... مدرسة تقول إنه يجب على أميركا أن تطرح مشروع الإصلاح السياسي وتفرضه بكل الوسائل، لأن الكراهية الموجودة في الشرق الأوسط ضد أميركا سببها ارتباط الإدارة الأميركية بالأنظمة القمعية. وهذه المدرسة تواجهها تناقضات المصالح الأميركية التي نراها أمام أعيننا عندما يتعلق الأمر بالشأن الفلسطيني.
مدرسة أخرى تقترب من النهج الأوروبي الذي يركز أكثر على الجانب الاقتصادي ويفتح الأسواق ويكافح الفساد ويطور التجارة على أسس أكثر عدالة ويترك الإصلاح السياسي لكل بلد ولمستوى العلاقات بين هذا البلد أو ذاك، وأن يتم تطوير الحوار بين الثقافات على «نار هادئة».
في وسط النار الهادئة والنيران المشتعلة ترتفع الشعارات القائلة «الإصلاح الداخلي من مسئوليات أبناء البلد فقط»، وهي شعارات صحيحة، ولكننا نأمل ألا يكون رفعها لصد الضغط الأميركي - الأوروبي فقط، وبعد ذلك العودة إلى عهود القمع من دون رحمة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 828 - السبت 11 ديسمبر 2004م الموافق 28 شوال 1425هـ