تقول حكمة هندية «ليس كل ما تتمناه تحتاجه بالفعل» أرى أن هذا الأمر ينطبق تماما على الساحة النسائية عندنا في البحرين، ففي الثامن من مارس/ آذار انطلق الخطاب النسائي الليبرالي ليدلوا بدلوه في ذلك اليوم على اعتبار أنه يوم المرأة العالمي، بينما لم نسمع أي حسيس أو نجوى للخطاب النسائي الإسلامي ربما لأن المناسبة لا تعني له شيئيا باعتبارها اقتباسا غربيا، أو أنه لم يجد إذنا صاغية من الصحافة والإعلام، كل ما في الأمر أن الساحة في ذلك اليوم شغلت بحديث نسائي ليبرالي خالص لم يخرج في إطاره عن أمور معينة معروفة مسبقا وهي قانون الأحوال الشخصية، العنف الأسري، الجنسية لأبناء البحرينية المتزوجة من غير بحريني. ورفع التحفظات عن اتفاقية السيداو، والكوتا النسائية لكن ذلك الحديث تناسى التقاعد المبكر للمرأة وأمور أخرى ولكن إن تبدو لكم تزعجكم.
على الرغم من مرور أكثر من خمسين عاما على هذا الخطاب نراه لم يتغير فهو خطاب لا يمس شريحة كبيرة من النساء وهو خطاب نخبوي يصور ما يطرح من قضايا في أروقته الخاصة على أنها قضايا العامة بل أنها قضايا الضرورة، وإن الحل وفق الصورة التي يريدها، بينما الرأي الآخر هو الرأي الناقص بل الظلامي والمعادي وفق ما جاء في بيان لجمعيتين نسائيتين إذ يشير بقوله إلى أن «أوضاع التسييس المجحفة في إصدار قانون للأحوال الشخصية من جهات ظلامية معادية لحقوق المرأة، تتخذ من البرلمان ساحة تسييس وفي الشارع تفعيل المظاهرات ورفع الشعارات ضد قانون عصري موحد للأحوال الشخصية». عن أي جهات ظلامية يتحدثن؟ وهل الحديث الذي لا يروق لهن سماعه هو حديث ظلامي، بل بأي حق يتم وصفها بالمعادية، فإن كان القصد من حديثهن جمعية الوفاق الوطني الإسلامية كونها الجهة التي دخلت البرلمان وتعارض القانون من دون ضمانة فنحن هنا في جمعية الوفاق من أكثر الناس مطالبة بقانون منصف لحقوق المرأة، إذ تسعى الوفاق جاهدة في المطالبة بتنمية المرأة علميا وعمليا، ومنع التمييز ضدها، وتوفير حياة كريمة تؤهلها لأن تعيش في المجتمع بأمن وكرامة، وتنال حقوقها الشرعية بشكل عادل، لكن ذلك لن يستقيم إلا بتعديل الجهاز القضائي، وإصدار قانون أحكام الأسرة بضمانة دستورية تحفظه من التحريف مستقبلا إن جعل أمره بيد البرلمان من دون ضمان، فلذلك لا ينبغي طرح القضايا ناقصة على غرار ولا تقربوا الصلاة فالوفاق على وفق ما جاء في البيان السابق لا ترفع الشعارات ضد قانون عصري موحد للأحوال الشخصية بل ضد خلوه من الضمانة الدستورية وفي ذلك بون شاسع، نتساءل هنا ما هي المصالح التي تجمع النساء البحرينيات؟ وكيف يُدار الصراع داخل الحركات النسوية؟ هل يُدار بطريقة تؤدي إلى التوافق، أم إلى استبعاد الآخر؟.
كان لزاما علينا أن نبدي رأينا، وأن يسمعنا الجميع، خاصة بعد أن سارعت بعض القوى النسائية في طرح موضوع قانون أحكام الأسرة من جديد وبشكل مستميت على الساحة المحلية من أجل لفت انتباه الحكومة والضغط عليها، وذلك بإعادة طرح الملف بدون النظر في مطلب إن لم نقل الغالبية بل النصف من نساء البحرين بضرورة طرح القانون بضمانة دستورية، وليس كما يروج له إننا نقف ضد القانون، وإن خروجنا بالمسيرة بتلك الأعداد كان إمعة، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل لماذا هذا التجاهل؟، وما الذي يضيركن في مطلب الضمانة الدستورية؟، وأين مبدأ التوافق الوطني؟
هذا الخطاب أيضا لم يوفق بين ما هو وطني وما هو نسوي، فانساق وراء تأييد المرأة في المناداة بالكوتا النسائية ونسى في خضم ذلك أن نيل الدرجة بالكفاءة والاستحقاق وليس بالجنس والتمثيل النسبي، وأكثر من ذلك أنه رسم صورة غير مقبولة للمرأة البحرينية في حديثه عن العنف إذ صورها على أنها في حالة من العنف والغبن الناتجين عن التسلط الذكوري، مما جعل المستمع لهذا الخطاب الاحتجاجي يتصور أن الوضع لا يخرج عن أمرين إما أن المرأة البحرينية تحب العنف وترغب فيه على غرار قول العجوز لزارا: «إذا ذهبت إلى المرأة، فلا تنس السوط»، أو أن الرجل البحريني عنيف وعنصري ضد المرأة، فكأننا في حرب، من يلقي الهزيمة ومن ينتصر، وبالتالي من يرث العقاب ومن يكتوي بالألم.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 2385 - الثلثاء 17 مارس 2009م الموافق 20 ربيع الاول 1430هـ