كشفت تصريحات وزير البنية التحتية الإسرائيلية يوسف باتيزكي في الاسبوع الثاني من ابريل/ نيسان 2003 بشأن إحياء الخط النفطي الموصل - حيفا عن نوايا «إسرائيل» في الاستفادة من سيطرة الاحتلال الأميركي على العراق. وتؤكد تصريحات الوزير الإسرائيلي أن أحد الأهداف الرئيسية للحرب هو سيطرة الولايات المتحدة على الثروات النفطية للعراق، وبالتالي ستسمح لحليفتها «إسرائيل» بالمشاركة في الثروات لحل مشكلات الطاقة لديها، وخصوصاً اذا علمنا أن الإسرائيليين يستهلكون نحو 250 ألف برميل يومياً يبلغ ثمنها 6,25 ملايين دولار، ويستوردون سنوياً 12 مليون طن 80 في المئة منها من روسيا، والباقي من مصر وبعض الدول الأوروبية وفقاً لاحصاءات رسمية. وليس غريباً اذاً ان تذهب بعض التحليلات الى أن بعض الصهاينة في الإدارة الأميركية كانوا وراء هذه الحرب لخدمة بعض الأهداف الإسرائيلية.
للنفط أهمية خاصة لدى الكيان الإسرائيلي الذي يسعى دائماً الى تأمين احتياجاته من الخارج بأرخص الأسعار. وكان هذا الهدف ضمن أهداف الإسرائيليين في فترات الحرب والسلم مع الدول العربية. ففي الستينات كانت الاحتياجات النفطية تمثل 12 في المئة من واردات «إسرائيل» استطاعت الأخيرة حل مشكلتها عن طريق احتلال سيناء العام 1967 وضمنت بذلك تغطية نفطية كاملة وصلت الى درجة انها صدرت بعضا من كمياته التي فاضت عن حاجاتها. كما أمنت «إسرائيل» تدفق امدادات النفط بعد انسحابها من منطقة سيناء المصرية بموجب اتفاق كامب ديفيد 1979 وبأسعار تفضيلية بعد انقطاع نفط «الشاه» عقب قيام الثورة الإسلامية في ايران. ويخطط الإسرائيليون اليوم لاحياء «حلف بغداد» القديم الذي كان مرتبطاً بالمحافل الغربية العام 1955 في إطار منظومة دفاع اقليمية تضم تركيا، ايران (الشاه)، بريطانيا والولايات المتحدة. كما يخططون أيضاً لاستغلال العلاقات السيئة بين قوات الغزو في العراق للضغط على سورية واستخدامها لاحقا ممرّاً للعراق لتصدير النفط منها بحراً من طريق سواحل البحر المتوسط الى أوروبا.
وجزء من المخطط الإسرائيلي حاليا هو احياء خط الموصل (شمال العراق) حيفا (ميناء يقع على البحر المتوسط في شمال فلسطين) يبلغ طوله 600 كيلومتر، وتم تشييده بإشراف شركة نفط العراق (IPC) التابعة الى الانتداب البريطاني سنة 1934. وافتتح هذا الخط سنة 1935 لنقل النفط من الموصل الى كل من حيفا وطرابلس لبنان على شواطئ البحر المتوسط. وكان يتم تكريره في مصفاة حيفا لصالح الشركة المذكورة. وتوقف هذا الخط في اعقاب حرب العام 1948، وجرى منذ ذلك الحين ضخ النفط العراقي الى البحر الابيض عن طريق سورية ولبنان. وجرت منذ ذلك الوقت محاولات عدة لتعطيل عمل هذا الخط، كان آخرها في فترة الحرب الايرانية - العراقية (1980 - 1988). واستجابت سورية لطلب ايران اقفال الانبوب البري الذي ينقل فيه النفط العراقي عبر أراضيها الى أوروبا. وتقول صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في تقرير لها في ابريل 2003 بان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق شامير عرض على العراق سراً استئناف ضخ النفط العراقي عبر الانبوب القديم بين الموصل وميناء حيفا، لكن حكومة بغداد (أيام صدام) رفضت هذا العرض. بعد الاحتلال الأميركي للعراق أضحت الفرصة مواتية لاعادة تشغيل خط «الموصل حيفا» وذلك لتوفير الكميات التي تحتاج إليها «إسرائيل» وبأسعار رخيصة. فهذا الخط من الممكن ان يخفض أسعار الوقود بنحو 25 في المئة، ومن شأنه ان يحول حيفا الى «روتردام الشرق الأوسط»، على حد تعبير وزير البنية التحتية الإسرائيلي. غير أن هذا الخط يحتاج الى تعاون أردني إذ يمر به الانبوب وعلى رغم ان الاردن نفى ان تكون هناك محادثات بشأن هذا الأمر فإن الإسرائيليين يتوقعون موافقته، وخصوصاً انه سيستفيد منه أيضاً، ولاسيما انه يعتمد هو الآخر على نفط العراق.
غير أن استفادة «إسرائيل» من نفط الموصل تمثل جزءاً من فوائدها من وراء الاحتلال الأميركي للعراق، ومن أهمها:
1- فتح الأسواق العراقية أمام البضائع الإسرائيلية.
2- توقعات بتقليص النفقات الأمنية بعد تراجع المخاطر الأمنية التي تهدد «إسرائيل».
3- القضاء على المحاولة العراقية في مجال التصنيع والتقدم التكنولوجي، وخصوصاً في مجال الصناعات العسكرية الذي تتفوق فيه «إسرائيل» في المنطقة. فتح المجال للوصول الى المياه في العراق، وخصوصاً اذا علمنا الشح الذي يواجهه الكيان الإسرائيلي في المياه.
4- المشاركة في إعادة إعمار العراق، إذ قال تقرير لصحيفة «معاريف» في ابريل 2003 إن شركات إسرائيلية تجري مفاوضات مع شركات أميركية وبريطانية للمشاركة في إعادة إعمار البنية التحتية في العراق، التي يقدر أن تصل كلفتها الى 600 مليار دولار على مدى عشر سنوات (حسب تقديرات أميركية). كل هذه الفوائد من الممكن ان تجنيها «إسرائيل» وهي حققت فعلاً بعضها بمجرد سقوط بغداد واحتلالها، ولكن الحصول على النفط والتطبيع مع الحكومة الجديدة في العراق مازال من المبكر التنبؤ بسهولة تحققه، وخصوصاً أن القوى السياسية في العراق ترفض حتى الآن أي علاقات مع «إسرائيل». وهو الأمر الذي يمنع أن تقدم حكومة عراقية تحت الاحتلال على اقامة أي علاقات اقتصادية رسمية مع «إسرائيل». عارف علي البيتم
العدد 824 - الثلثاء 07 ديسمبر 2004م الموافق 24 شوال 1425هـ