تأتي الزيارة التى يقوم بها اليوم (8 ديسمبر / كانون الاول) الرئيس حسنى مبارك إلى مملكة البحرين في اطار التشاور المستمر بين الرئيس مبارك وشقيقه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وذلك بهدف تنسيق المواقف العربية في هذه الظروف التى تمر بها المنطقة وذلك في ضوء الوضع في العراق والتطورات على الساحة الفلسطينية.
كما تأتي الزيارة في اطار حرص مصر على توثيق تعاونها مع دول مجلس التعاون الخليجى في المجالين السياسي والإقتصادى لا سيما وأن مملكة البحرين تستعد لاستضافة القمة الخليجية الخامسة والعشرين.
ولقاء القمة الذى يجمع الرئيس مبارك مع أخيه الملك حمد بالمنامة اليوم يعطى العلاقات البحرينية المصرية قوة دفع جديدة ، خاصة وأنه يسبق اجتماعات اللجنة المصرية البحرينية المشتركة بالمنامة في 31 من ديسمبر الجارى والتى ستركز على متابعة تنفيذ اتفاقيات التعاون بين البلدين في كافة المجالات.
والعلاقات البحرينية المصرية -التى تتوج اليوم بقمة الزعمين مبارك وحمد- تتسم بالرسوخ والعمق وهناك شواهد حية تؤكد وجود صلات وعلاقات بين البلدين منذ فجر الحضارة الإنسانية ويكفي فى هذا المجال الإشارة إلى اكتشاف وجود لآثار تدل هذه الروابط بين الحضارة الفرعونية في مصر وحضارة دلمون في البحرين وزيارة متحف البحرين الوطنى ومشاهدة الجعارين الفرعونية التى أكتشفت في البحرين خير دليل على ذلك .
أما في العصر الحديث ففي أوائل القرن الماضي توافد المدرسون المصريون إلى البحرين للمشاركة في نهضتها التعليمية خاصة وأن البحرين كانت أولى دول الخليج بدءاً بالتعليم.
كما يحفل تاريخ البلدين بمحطات مضيئة في مجال التعاون والتفاعل الثقافي ونحن نتذكر حضور البحرين ومشاركتها عام 1927 في التظاهرة الثقافية العربية الكبرى في مصر عندما بويع أحمد شوقي أميراً للشعراء، حيث اقترح اثنان من أبرز شعراء البحرين وهما عبدالله الزايد وخالد الفرج أن تشارك البحرين في هذه المناسبة بتقديم هدية رمزية عبارة عن نخلة من الذهب الخالص ذات عروق منضدة باللؤلؤ حيث تبرع حاكم البحرين أنذاك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة( 1923-1942) وأعضاء نادى المحرق الأدبي بنقود تكفى لإعداد تلك الهدية وهي نخلة يبلغ طولها 30 سنتيمترا وجذعها وسعفه من الذهب الخالص أما ثمرها فبلح من اللؤلؤ الحر وتم ارسال الهدية بالبريد البحرى مع قصيدة للشاعر خالد الفرج يقول مطلعها:
من منبت الدر تسليم وتكريم
لشاعر اللغة الفصحى وتقديم
حياك من دارنا البحرين لؤلؤها
والنخل إذ بسمت فيه الأكاميم
ورد أحمد شوقي بعد مبايعته أميراً للشعراء بقوله :
قلدتنى الملوك من لؤلؤ البحرين
آلاءها ومن مرجانه
نخلة لاتزال في الشرق معنى
من بداوته ومن عمرانه
ولا تزال هذه النخلة الذهبية ولؤلؤها موجودة بالقاهرة ضمن آثار أحمد شوقي تجسد بمعناها ورمزها علاقة البحرين بمصر.
و من المعلوم كذلك أنه كانت لشعب البحرين وقفات مشرفة إلى جانب الحركة الوطنية المصرية خلال مراحلها المتعاقبة فساند ثورة 1919، وتفاعل بكل مشاعره مع ثورة 23 يوليو / تموز 1952 وقراراتها الكبرى كما أرتبطت الحركة الوطنية البحرينية ارتباطا وثيقا بثورة يوليو خاصة خلال فترة الخمسينات و الستينات و في تلك الأثناء شهدت مدن البحرين مظاهرات حاشدة تضامنا مع الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956، ونتذكر في مصر المشاعر الوطنية الفياضة و مواقف التأييد و المساندة المعنوية التي صاحبت بناء السد العالي ، و تجاوب البحرينيين مع حملة التبرعات لصالح المجهود الحربي بعد نكسة عام 1967 .
ومنذ قيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أغسطس / آب 1972 لم يتوقف التشاور والتنسيق المستمر بين قيادتى البلدين في مختلف القضايا ذات الإهتمام المشترك وهو ما تجسده قمة الزعمين حمد ومبارك وهي الرابعة عشرة منذ وصول الملك حمد إلى الحكم في مارس / آذار 1999.
ومن الشواهد الحية على عمق العلاقات ذلك التعاون الوثيق بين المجلس الأعلى للمرأة في البحرين والمجلس القومي للمرأة في مصر حيث شاركت الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البحرين بصفتها رئيس المجلس الأعلى للمرأة في العديد من المؤتمرات التي عقدت بمصر و من بينها المؤتمر الاستثنائي لقمة المرأة العربية في نوفمبر / تشرين الثاني 2001، والمؤتمر الدولي الذي عقد بمدينة شرم الشيخ ( سبتمبر / ايلول 2002 ) تحت عنوان «المرأة من أجل السلام» ، كما شاركت في اجتماع مجلس إدارة حركة سوزان مبارك الدولية للمرأة من أجل السلام الذى عقد في جنيف في 24 نوفمبر الماضى و خلال هذه المشاركات عقدت الشيخة سبيكة عدة لقاءات مع السيدة سوزان مبارك حيث تم تبادل الأحاديث حول العلاقات الودية التي تربط البلدين و الشعبين الشقيقين .
كما شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية تطورات ملموسة تمثلت في إنشاء اللجنة البحرينية المصرية المشتركة20 ديسمبر 1992، ثم التوقيع على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والصناعية، وتشكيل مجلس رجال الأعمال المصري - البحريني في ديسمبر 1999، وإقامة معارض المنتجات المصرية.
وهناك تواصل مستمر بين البلدين على الصعيدين الثقافي والإعلامي تجسده الزيارات المتبادلة للمسئولين والمفكرين للمراكز الثقافية والمنتديات الفكرية التى تلتئم على أرض البلدين وهي المشاركات التى لا تنقطع على مدار العام حيث تشهد دار الأوبرا وغيرها من المراكز الثقافية في مصر مشاركات لفنانين بحرينيين وفرق فنية بحرينية، كما يتوافد على متحف البحرين الوطنى ومركز الفنون بالبحرين وغيرهما من المراكز الثقافية البحرينية مثقفون وفنانون مصريون وهو ما يعبر بحق عن عمق وخصوصية العلاقات التى تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين . * سفير جمهورية مصر العربيةلدى مملكة البحرين
العدد 824 - الثلثاء 07 ديسمبر 2004م الموافق 24 شوال 1425هـ