يبدو أن مسألة أمن الخليج مازالت محيّرة لمحللي العلاقات الإقليمية والدولية، فهناك تباين مستمر في المرئيات تجاه هذه القضية، وكيفية تحقيقها. وعلى رغم تعدد الأفكار والطروحات فقد انتقل هذا التباين إلى كبار المسئولين الرسميين في بلدان المنطقة، وكذلك الحال بالنسبة للقوى الكبرى والعظمى المسيطرة على الخليج كالولايات المتحدة.
وكشفت الأفكار المعلن عنها في مؤتمر «حوار الخليج» الذي اختتمت فعالياته منتصف الأسبوع الجاري في البحرين أن هناك اختلافاً كبيراً في الآراء والتصورات، وما أكد ذلك طرح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عندما قلّل من أهمية الدور الأميركي في أمن الخليج، وأكد على أولوية المحور الخليجي الذي تشترك فيه دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى كل من إيران والعراق واليمن، وحظي هذا الطرح بتأييد بحريني صريح.
وهنا تبرز الإشكالية، فكيف يمكن لبلدان الخليج أن توزان في علاقاتها المتباينة مع الولايات المتحدة وتحقق الأمن الإقليمي وفق نظرية الأمن الجماعي في العلاقات الدولية؟
عن هذا السؤال يمكن النظر إلى أن إيران مازالت في قطيعة مع الولايات المتحدة في الوقت الذي تتمتع فيه جميع بلدان مجلس التعاون والعراق بعلاقات جيدة مع أميركا. وبالتالي فإن آثار هذه العلاقات ستحول دون تشكيل منظومة إقليمية للأمن الجماعي لأن الولايات المتحدة ستقف ضدها، وليس من المتوقع خلال الفترة المقبلة أن تشهد السياسة الخارجية الأميركية تغيراً تجاه أمن الخليج فهي تسعى منذ رحيل الاستعمار البريطاني في التسعينات من القرن الماضي إلى الاستئثار بهذا الدور، أو إشراك قوى إقليمية خليجية حليفة فيه مثل مبدأ نيكسون وسياسة العمودين المتساندين.
وإذا كانت رؤية دول المنطقة تجاه أمن الخليج تقوم على أهمية إشراك جميع الأطراف الإقليمية فيه فإنه يجب البحث عن بدائل أخرى تتيح لهذه الدول تحقيق توازن وتكافؤ في موازين القوى الدولية. لأن الارتباط الحالي بالولايات المتحدة لا يساعد على إقامة أية ترتيبات أمنية تشترك فيها جميع الدول الخليجية بسبب الموقف الأميركي من إيران. ولذلك فإن البحث عن ارتباط جديد سيكون من صالح دول المنطقة ويمكن من خلال المخاتلة لاحقاً الشروع في إنشاء منظومة خليجية مشتركة للأمن. ومثل هذا الطرح بالطبع لا يمكن تحقيقه خلال عام أو عامين وإنما يحتاج إلى ما لا يقل عن عشر سنوات ينبغي التخطيط لها منذ الآن.
والموقف السعودي - البحريني تجاه أمن الخليج يعكس إدراكاً وفهماً جديداً لهذه القضية لدى بعض نخب دول المنطقة، ولذلك لا بد من التأكد من وجود القناعة ذاتها لدى نخب الدول الأخرى المجاورة لأن مسألة التوافق بشأن أمن الخليج بين بلدان المنطقة هي الأولوية الراهنة إذا كان هناك تطلع حقيقي لتحقيق هذا الهدف
العدد 824 - الثلثاء 07 ديسمبر 2004م الموافق 24 شوال 1425هـ