غريب أمر هؤلاء البكائين! ماذا يجري لهم؟ انهم يعانون من ذاكرة مثقوبة تحولوا فجأة إلى «حماة العروبة» و«فدائيين» إذ لا ساحة قتال ولا فرس في الميدان... الآن بعد هدوء عواصف الحروب خرج علينا البعض ليعلمنا دروسا في العروبة وفي «حب الاوطان» وفي «القومية» وتناسى هذا البعض انهم يحاولون بيع دروسهم على اناس صقلهم التاريخ بالوجع... لسنا نحن الذين نعلّم قواعد قتال اعداء الاسلام... اذهبوا إلى سجون العراق وسجون العالم العربي و حتى سجون الغرب بما فيها أميركا معشوقة التاريخ مطلقة الحاضر يوم كنا نؤخذ بالتهمة والظنة ونطارد في المطارات وشارك في ذبحنا المثقفون. لسنا نحن الذين نُعلَّم حب الأوطان ولون المقصلة وأقبية المباحث وأروقة معابر السجون. عمر الصفر لا يلد المليون، إلا يوم هدأت العواصف اصبحنا «عملاء لأميركا» واصبح «مراجعنا متواطئين مع الاميركان»... تقولون ذلك وسفارات اميركا مزروعة من المحيط إلى الخليج والعلاقات على قدم وساق وكنا نعذب بأسلحة اميركية وكانت تُحيا سهرات النصر. وكان البعض يعزف على وتر العلاقة الحميمية و«الاستراتيجية» ما بين بغداد وواشنطن. كنا ندفع حينها ثمن حبنا للعراق ولما انقلب السحر على الساحر وبدأ شهر العسل ما بين صدام واميركا، يتحول إلى خصام وعراك وشهر بصل أصبحنا نحن عملاء أميركا هذا وكلنا شهود عيان والتاريخ لم يكتب وإلى الآن ولم تجف دماء الشهداء. ولماذا هذه الانتقائية... الفتاوى تبارك اعمال كل الانظمة ذات العلاقة مع الاميركان بل ذات العلاقة مع «اسرائيل» وحين تصل إلى العراق تتغير 180 درجة، فيزايد البعض على السيد السيستاني فقط لأنه دعا للانتخابات... هو لم يأتِ بالأميركان. الأميركان نفذوا من بوابة بغداد الرشيد عندما اعطوا مسوغ البقاء في المنطقة بعد غزو الكويت وها هم يقضمون كل يوم بلداً. اين انتم عندما كان جنرالات واشنطن يعبثون في العراق طيلة 30 عاماً عندما كان هناك «التحالف الاستراتيجي»؟
عجبي من هؤلاء... مرت 50 عاماً وجلودنا مازالت ملأى بالندوب من أثر السياط... هتكت اعراضنا في المعتقلات خصوصا في ابوغريب وبقية السجون العربية... مورست علينا ابشع انواع الفتاوى وبعضها اباح قتلنا وكنا نسمى بالكفرة من بعض التكفيريين وعلى رغم ذلك لم نخذل احداً على رغم شحة النصرة وصدود الصديق، وكلما جاءت حكومة في العراق او بلدان العرب لعنت أختها وتفننت في ذبحنا، وعلى رغم ذلك كنا نجأر بعدم رضانا عن السياسة الاميركية ودفعنا الفاتورة في ذلك حتى عندما جيء بالأميركان في حرب الخليج الثانية كنا ندعو الى عدم اعطاء التبرير لدخولها وراحت بعض الفتاوى تبرر وجودها مستدلة باستئجار الرسول (ص) أدرع المشركين في بعض معاركه... رفضنا ذلك واذا بنا نسب في الصحافة العربية باننا نحرج الدول العربية ولا نقدر الدبلوماسية... الآن تغير كل شيء... جيء بهذه الضفادع الثقافية لتبيع علينا شعارات النضال وتتهمنا بأننا «عملاء اميركا».
هؤلاء يغيرون ولاءهم كما يغيرون احذيتهم ويريدوننا الآن بعد 50 عاما من دفع الفاتورة ان نقدم فاتورات اخرى بمزايدات. يا اخوة يا أفاضل... هذه الحكومات العربية كلها تبارك الانتخابات في العراق وفق نظريات «الواقعية» و«التوازنات» و«المصالح العامة» و«درء المفاسد» و... فلتعطوها الدروس، فالعراقيون وعلى رأسهم السيستاني ليسوا بحاجة إلى دروس ولن يعيروكم اهتماما... لا تتعبوا انفسكم. قولوا ما شئتم... خناجر الظهر التاريخية وخصوصا ايام الطاغية صدام علمتنا ألا ندفع الى المسلخ ونحن نبتسم غارقين في شعارات الكذب. نحن ضد سياسات اميركا في المنطقة ونعلم انها جاءت لتخدم مشروعاتها لكننا نرفض ان نكون الكبش... من يريد معركة فليبدأها بالتوافق العربي، ففي تقلب الاحوال علم جواهر الرجال. سنين والحوزة تدك بالقنابل والمراجع يتساقطون والنخوة العربية والاسلامية تدير وجهها إلى الحائط ولم يخرج بيان واحد، وبقينا 13 عاما هائمين على وجوهنا مع عوائل الشهداء البحرينيين في العراق نبحث عمن يواسينا من جمعية هنا أو مبرة هناك او صحيفة أو كاتبة هنالك ولم نر موقفا مشرفا واحداً وعلى رغم ذلك وضعنا الجرح مع الجرح وخنقنا الدمعة للمصلحة العامة وبعد كل ذلك تأتي المزايدات لتصل - بكل وقاحة - حتى على وطنيتنا واسلامنا ومراجعنا! اين كانت هذه القطط المنتفخة عندما كنا نذبح؟ اين كان البعض يوم كان الشعب العراقي ينام على خوازيق النظام؟
كفى صخبا وهذا العار التاريخي على الابواب منتفخ! لن نخفض السياج فللأكذوبة على التاريخ سيقان قصيرة. اكذبوا على مراجعنا ولكن حذار ان تفتحوا أفواهكم واسعاً عندما تطلقون أكذوبة فإن عيون الخداع مملوءة بالدموع.
اننا نعشق تاريخنا وثوابتنا ونكسب بذلك احترام الآخرين لأننا احترمنا أنفسنا. مسكينة هي العراق يريدونها دجاجة - على طول التاريخ - تبيض لهم ذهباً
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 824 - الثلثاء 07 ديسمبر 2004م الموافق 24 شوال 1425هـ