غداً الخميس 9 ديسمبر / كانون الاول ستحتفل الامم المتحدة - لأول مرة - بـ «اليوم العالمي لمكافحة الفساد»، وذلك احتفاء بمرور عام على تدشين «الاتفاق العالمي لمكافحة الفساد». ومواصلة لنشاطها المعهود ستنظم غداً (العاشرة صباحا في الغرفة) الجمعية البحرينية للشفافية بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة البحرين حلقة حوارية عن مكافحة الفساد وتدارس الخطوات الواجب علينا اتخاذها لمكافحة الفساد، وأولها التوقيع على الاتفاق العالمي لمكافحة الفساد.
وبما اننا نتحدث عن مكافحة الفساد، ونتحدث ايضا عن سنغافورة كأنموذج للبحرين، فإن من المناسب ذكر ما قاله احد اساتذة الاقتصاد الذي عمل عدة سنوات في سنغافورة، اذ أشار الى ان سنغافورة نجت لانها اعتمدت على عدة امور مهمة وبصرامة. فمن جانب اسست سياسة معادية للفساد بشكل لا يمكن التهاون فيه. فالوزير والمدير العام في سنغافورة يحصلان على أموال طائلة كمعاش شهري، ولكن له الويل ان اتهم بالفساد او اكتشف عنه شيء من الفساد، فحينها سيتمنى انه لم يولد من شدة ما سيناله من عقاب.
وعامل آخر اعتمدته سنغافورة كان الاجراءات القانونية والقضائية السريعة والفعالة، وعلى هذين العاملين (مكافحة الفساد وادارة فعالة للعدالة) استطاعت ان تبني اقتصادا متطورا جدا ينافس الدول المتقدمة. فهي الدولة التي لا تملك أية موارد طبيعية، ولا نفطاً ولا حتى ماء يكفيها، ولكنها في الوقت ذاته اصبحت واحدة من أهم الدول المتطورة.
والامم المتحدة تفهم جيدا ان تحديد يوم من اجل الاحتفال عالميا بالذكرى له أهميته من اجل خير البشرية واستقرار الدول والسلام العالمي. وقد حثت الامم المتحدة كل الدول الاعضاء على التوقيع وثم اعتماد الاتفاق العالمي لمكافحة الفساد. وهذا الاتفاق مازال خارج التشريعات الدولية بانتظار ان تعتمده 30 دولة، ولحد الآن اعتمدته 12 دولة فقط.
الفساد عندما ينخر في بلد ما فإن أول من يدفع الضريبة الفقراء، ومؤشر وجود الفساد هو ازدياد عدد الفقراء وانخفاض مستوى المعيشة، والإمام علي (ع) يقول «ما رأيت نعمة موفورة إلا والى جانبها حق مضيع».
وعندما كنت اعمل في احدى الشركات في بريطانيا في تسعينات القرن الماضي كانت بعض الوفود تأتي من دولنا الشرق - أوسطية لشراء مصانع او معدات، وكانت الشركة تستعد لهم لأنها تعلم بأن القادمين لا يبحثون عادة عن أحسن منتج وأقل سعر وانما عن من يوافق ان يضمّن السعر الذي سيرسل الى الجهات الرسمية في الدولة المعنية «كوميشن»، أي نسبة مئوية، تدخل في جيوب الوفد ومن يقف خلفهم في البلد الأصل. وقد شهدت الامر أكثر من مرة وكنت أشعر بالخجل لأن هناك من يأخذ المال الكثير وينهب ثروات وطنه ويشوه سمعتها.
وعندما تسلّم حزب العمال البريطاني الحكم في 1997 طرح بعض أعضائه مشروع قانون يحرّم على الشركات البريطانية ان تضمن عمولات ونسباً مئوية لهؤلاء الفاسدين لأن ذلك يعتبر نهباً لثروات تلك البلدان لصالح الطبقة الفاسدة فيها. ولكن القانون لم ينجح لأن الشركات احتجت بأن بريطانيا ستخسر لوحدها لأن شركات الدول الاخرى ليست عليها قيود وهذا يعني ان الفاسدين سيذهبون بثروات بلدانهم الى شركات غير بريطانية.
آن الاوان لان نكون صادقين مع انفسنا وان نباشر تدشين سياسة صارمة ضد الفساد، تماما كما فعلت سنغافورة منذ مدة طويلة جدا، وان نقدم المتهمين بالفساد الى محاكمة عادلة وسريعة لا تتحرج في انزال العقاب لكي نحفظ ثرواتنا من الضياع
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 824 - الثلثاء 07 ديسمبر 2004م الموافق 24 شوال 1425هـ