التصريحات الخليجية من مصادرها المجهولة والمعلومة - والتي صبت في الآونة الأخيرة على انتقاد البحرين لكونها «انفردت» بإبرام اتفاق التجارة الحرة بينها وبين الولايات المتحدة - تأتي متأخرة بعض الشيء، فالمشروعات الأميركية في المنطقة واضحة ومعلن عنها، والخطوات التي دفعت بها البحرين - في الأساس - مع الولايات المتحدة استغرقت وقتاً ليس بالقصير، وبالتالي، فإن توقيع هذا الاتفاق لا يشبه أبداً زيارة السادات للقدس مثلاً، عندما شلت هذه المفاجأة تفكير العرب، إذ كانت الاجتماعات الوزارية والقمم القيادية كفيلة بتنويع الحوار وتنسيق المواقف، سواء بين البحرين والولايات المتحدة، أو بين هذه الأخيرة ودول خليجية أخرى تتقاطر لإبرام اتفاق مشابه، وذلك بدلاً من الانتظار حتى يتم التوقيع، وتمضي على الأمر شهور من سلسلة الموافقات الأميركية ليخرج المنتقدون اليوم وكأنهم أفاقوا للتو على «كارثة» ستحل بالكيان الخليجي الذي سينهي عما قريب ربع قرن من الزمان على قيامه ولم يستطع التوصل بعد إلى اتفاق بيني لدخول منتجات الألبان بسلاسة بين دوله بشكل عادل ومتساوٍ، ويأتي اليوم ليبكي على ما فرطت به البحرين في جنب المجلس من مروق على «الإجماع»، وخرق للحمة الخليجية.

تفرض موازين القوى على متخذي القرار في أية دولة تغيير استراتيجياتها، وهذا ما يضطر بعض الدول للجوء إلى الاتفاقات الثنائية لأن انتظارها للتحرك الإقليمي البطيء وغير المقدر لحجم الضغط الذي تتعرض له تلك الدول، وخصوصاً الصغيرة منها، يجعلها تقارن بين «عصفور في اليد أو عشرة في الغد»، ولأن الغد طال انتظاره كثيراً حتى طارت كل العصافير، فإن الاتفاقات الثنائية هنا هي التي تجد طريقها إلى الإبرام والتنفيذ لأنها أخف وأسرع حركة، وليس في هذا الأمر فلسفة أو مؤامرة مخبوءة، إنها لغة المصالح المشتركة التي عجز مجلس التعاون عن تجسيدها بشكل مرضٍ، وهو الأمر نفسه الذي يجعل دولاً عربية تنسل الواحدة بعد الأخرى لتغازل «إسرائيل» بعدما كفرت بصلاح حال الجامعة العربية وقدرتها على تلبية شروط المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة