على مدى الاسبوعين الماضيين، دفعتنا الصحف وكتاب المقالات للاسترخاء قليلا. ايام هادئة: لا توترات، لا مشاجرات نيابية، لا صدامات في الشارع، لا تصريحات نارية، لا سرقات مسلحة والبريد الالكتروني حافل بالنكت والصور الطريفة لا البيانات التي تدين انتهاك الحريات، لا تصريحات تدفعنا للقلق على الحريات. هل هذا كل شيء؟
النشطاء يستعدون لاحياء اليوم العالمي لحقوق الانسان الجمعة القادم وجدول الاعمال الرسمي حافل بالاجتماعات تمهيدا لقمة مجلس التعاون في العشرين من هذا الشهر. العمل يتسارع لانجاز الشوارع الرئيسية والجسور الجديدة. الاختناقات المرورية باتت اعتيادية وبات كل منا يضبط مواعيده بحساب وقت اضافي للوصول والمغادرة تحاشيا لساعات الذروة. نسيت، الكثيرون يخططون لقضاء اجازة العيد الوطني.
نحن اذا مسترخون، لكن بعد قليل سندخل في مناظرات طويلة بشأن قانون التجمعات وقانون الجمعيات السياسية، ربما نستهل العام الجديد بهذه المناظرات، لكن ارجوكم دعونا ندير هذه المناظرات والجدل بعيدا عن الطريقة البحرينية.
الطريقة البحرينية: خوض المعارك عبر الصحف، بالونات الاختبار بالتصريحات تشمل تسريبات لجس النبض، تفصيل النقاش على الاستثناء وليس على الاصل. اللهاث (خذوه فغلوه)، اهمال الحقائق والبحث العلمي، الميل لصوغ وجهات النظر بناء على مصالح ضيقة. هذه السمة الاخيرة تعني ايضا: تعريفات عدة لمفردة «مواطن» وتعريفات عدة لمفردة «العدالة» و«المساواة» و«الشفافية» بحيث تجعل كل هذه المفردات صعبة المنال في المقترحات والقوانين كما في الحياة اليومية.
من كل هذا التفصيل، يستوقفني هذا الميل الدائم لتفصيل النقاشات دوما على الاستثناء وليس على الاصل. ردود الفعل حيال مشروع قانون التجمعات ابرز مثال. اولئك الذين ابدوا حماسة لهذا القانون لم يجدوا من مثال يبررون به هذه الحماسة سوى ما جرى في الشارع في الشهرين الماضيين.
الاصل: مبادئ الحرية التي ثبتها الدستور والميثاق؟ هل هذا يكفي؟ لا اظن، لان الجدل على «الطريقة البحرينية» خلق لدي احساسا بان الكثيرين يعتقدون ان هذه المبادئ لم ترد الا في دستور مملكة البحرين وميثاقها الوطني وليست المبادئ التي توصلت اليها البشرية في تاريخها الطويل والتي غدت اليوم ملكا لجميع شعوب العالم.
لم العناء، اقصى ما يمكن قوله هنا هو ان هذه المبادئ يجب ان تكون «المرجعية» التي نحكم من خلالها على صحة هذه القانون أو ذاك أو هذا الاقتراح أو ذاك. وعندما نقول إن هذا القانون «غير دستوري» أو «يتناقض مع الدستور» أو «مخالف للدستور» أو حتى بأكثر الصيغ مرارة «ينتهك الدستور» فان المعنى واحد: ينتهك مبادئ الحريات الواردة في الدستور.
لكن «طريقتنا البحرينية» اشاحت بوجهها عن هذه المرجعية. وخلال العامين الماضيين وحتى اليوم، رحنا نتابع كيف ان النقاش سواء داخل البرلمان أو خارجه يجري بعيدا عن هذه «المرجعية» بل على العكس تماما لمسنا ميلا للانتقاص من الحريات يعبر عن نفسه دون مواربة.
لم نسمع في يوم من يقول: هذا الاقتراح أو القانون يتعارض مع مبادئ الحرية، العامة منها والفردية، لم نسمع من يقول ان المقياس الاهم في الحكم على القوانين هو مدى انسجامها مع مبادئ الحرية الواردة في الدستور، بل على العكس: اقتراح وراء الاخر من النواب وقانون اثر آخر من الحكومة تذهب كلها للانتقاص من الحريات.
ما هو تاريخ اليوم بالمناسبة؟... 7 ديسمبر اليس كذلك؟. تعرفون المناسبة ولا شك، واذا كانت المناسبة تحفز شيئا في الذهن فليس لدي سوى نصيحة باستقراء التاريخ بشكل هادئ. ما الذي جرى منذ 1973 وحتى اليوم؟ ستجدون الكثير والكثير جدا واذا تيقنتم من اوجه التشابه بين ما كان يجري في تلك الايام وما يجري اليوم، فتلك علامة مشجعة لان ذلك سيدفعنا تاليا للسؤال: لماذا نعيد استنساخ تاريخنا؟
واذا بدت تلك الفترة غائرة في الذاكرة والتاريخ، ارجوكم ان تقرأوا وتقيموا تجربتنا الجديدة التي لم يمض عليها أقل من ثلاثة اعوام لكي تروا ما اذا كانت طريقتنا البحرينية مجدية ام انها بحاجة الى تغيير
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 823 - الإثنين 06 ديسمبر 2004م الموافق 23 شوال 1425هـ