العدد 823 - الإثنين 06 ديسمبر 2004م الموافق 23 شوال 1425هـ

أسماك... لا تدرك وجود الماء

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

«ما من بلد في العالم المتحضر يتجاهل الفلسفة كما يتجاهلها الأميركيون، ومع ذلك أبدى الأميركيون التزاما متحمسا لإحدى المناهج الفلسفية الأكثر حداثة من دون غيرها، إنهم يطبقون الديكارتية بكفاءة لن تجدها في أي مكان آخر» «القسيس الفرنسي دي توكفيل».

أنتج الأميركيون البراغماتية، وهي أبرز ما قدمته أميركا في الحقل الفلسفي، هي محاولة لجعل الأفكار مفيدة، إذ تقيم الأفكار بحسب النتائج الواقعية المترتبة عليها في العالم الواقعي. يصور البعض البراغماتية بأنها النفعية الفردية حتى في إطارها الجمعي، ويرى أنها منقصة لابد من استغلالها في أي عرض تحليلي للهوية الأميركية، وخصوصا إذا ما غلبت تلك الرؤية النقدية مطبات الأخلاق الشرقية التي تعتمد على الجماعية وإنكار الذات.

ما الفائدة من معرفة ما إذا كانت هذه الفكرة أو تلك صحيحة أم لا؟ إذا لم يكن هناك فرق واقعي عملي، تصبح كل النقاشات فارغة من المعنى. البراغماتية محاولة للتخلص من المساعي الميتافيزيقية غير المفيدة، امتدت هذه المعاداة للنظرية التجريدية طوال عقدين ماضيين.

يرى الأميركيون أن الأفكار لابد أن تكرس لنصرة «البراعة»، على حساب «العمل العفوي»، هذا ما جعلهم يتعاملون مع الأفكار بمستوى لا يقبل بإطلاق مفهوم (مثالية الأفكار). إلا أن الأفكار لعبت دورا في التاريخ الأميركي، بل إن تاريخها بحد ذاته صنعته الأفكار، وهذا التناقض هو ما دعا عالم النفس «إريكسون» إلى أن يقول «أية خاصية يعتبرها المرء سمة أميركية حقيقية يجد أن لها خصيصة مناقضة ومنتشرة بالقدر نفسه».

الأسباب التي تمنع السمك من إدراك وجود الماء، هي ذاتها التي تمنع الأميركيين من معرفة حجم الكراهية التي يصدرها بعض المثقفين تجاه البراغماتية، الحس والمعرفة والتصور والإدراك لمفهوم البراغماتية وتجلياتها بالنسبة للخارج، تجعلهم غير قادرين على التموضع السليم بين الثقافات المقارنة.

«دي توكفيل» يرى أن أميركا تجسيد لنظرية حكم مميزة وأصيلة، ولو أن سكانها لا يستطيعون على الإطلاق البدء بشرح ولو جزء بسيط من هذه النظرية، لذلك تبقى أميركا في تمثيلاتها الثقافية في القراءات الثقافية العربية، موضع استنكار ورفض وتمنع وتعوج ومصادرة عند المثقف العربي. هذا ما يجعل الأميركيين في وضع من السهل نقده من الخارج، لذلك كان (توكفيل) طوباويا حين كتب «الديمقراطية في أميركا»، إذ انه أدرك وجود الماء، فعرف مجتمعا «كانتيا» في التجربة فارغا من الفلسفة

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 823 - الإثنين 06 ديسمبر 2004م الموافق 23 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً