العدد 823 - الإثنين 06 ديسمبر 2004م الموافق 23 شوال 1425هـ

حروب «اوراسيا»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تنجح روسيا في تشكيل حزام من الدول يعطل على الولايات المتحدة مشروعها الخاص في الهيمنة على اوراسيا (أوروبا وآسيا)؟ المشروع الأميركي لم يعد سرياً. فواشنطن أعلنت عنه مداورة بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وتذرعت بمكافحة «الإرهاب» لتبرير ارسال جيوشها إلى مناطق حساسة تسمح لها ببناء قواعد عسكرية تضمن لها لاحقاً سياسة التمدد وإلحاق الدول الصغيرة والضعيفة بمظلتها الاقتصادية - الثقافية. فالمشروع الأميركي الجديد يقوم على فكرتين: الاستقطاب والالحاق. وهذا لا يتحقق من دون خلخلة قواعد الاستقرار السياسي المتعارف عليها دولياً ومنع الدول الكبرى (المنافسة) من التقدم لأخذ نصيبها أو مواقعها في إعادة الهيكلة للنظام الدولي الجديد.

إعادة الهيكلة لا تنجح إذا لم تتوفق واشنطن في بناء منظومة دفاعية (أمنية) تعتمد مبدأ التكتلات العسكرية الإقليمية في سلسلة مناطق تضمن لها التفوق العسكري. فالمنظومات الأمنية الإقليمية هي بمثابة رؤوس جسور للاختراق أو التقدم أو منع القوى الأخرى من النمو والتمدد الإقليمي.

ويبدو من الحسابات الاستراتيجية الأميركية ان هناك مجموعة دول كبرى يمكن أن تشكل مستقبلاً حلقات إقليمية للتنافس مع الولايات المتحدة. وهذه الدول هي الصين في شرق آسيا، والهند في وسط آسيا، وروسيا المعزولة في شمال آسيا. فهذه الدول الكبرى تملك الإمكانات البشرية والخامات وطاقات كامنة للنمو والتطور كما كان امرها في التاريخ. فالصين كانت سابقاً من الحضارات الكبرى، كذلك الهند. وروسيا لعبت على امتداد القرون الخمسة الأخيرة أدواراً أهلتها مراراً لتكون اللاعب الرئيسي دولياً في الساحتين الأوروبية والآسيوية.

لاشك في أن الولايات المتحدة تتخوف من عودة هذا الاحتمال التاريخي. فسابقاً كانت هذه الدائرة من العالم منطقة حضارات ومصدراً للعلوم والثقافة والفنون. وحالياً بدأت هذه الدائرة تشهد حركة نمو وتقدم في وتيرة متسارعة نقلتها من حال إلى حال. فالاحتمال التاريخي ليس وهماً بل هو يؤكد ذاته واقعياً من خلال لغة الأرقام والحسابات الرياضية المركبة. فالصين كما تذكر المعلومات والتوقعات ستصبح الدولة الأولى اقتصادياً في العام 2024. والهند ستتحول إلى دولة عظمى وربما الثانية اقتصادياً في العام 2054. بينما روسيا فإنها تملك من الطاقات والإمكانات التي أهلتها مراراً لأن تكون الدولة الأولى عالمياً ولكن ظروفها الخاصة وابتعادها عن المياه الدافئة جعلها أمة محاصرة ومحكومة بالعزلة الأمر الذي يفسر اضطرارها إلى خوض مواجهات عسكرية وسياسية لكسر الحواجز الجغرافية والسياسية التي منعتها من الخروج من دائرتها والتقدم نحو العالم المفتوح.

الولايات المتحدة ليست بعيدة عن هذه الفضاءات الدولية. فهي منذ انهيار منظومة «الحرب الباردة» في تسعينات القرن الماضي تراقب مثل هذا الاحتمال التاريخي وتخطط لمنع حصوله أو على الأقل عرقلة تطوره في الامد المنظور.

الاتحاد الروسي الذي دفع من جانب واحد ثمن تفكيك منظومة «الحرب الباردة» تاركاً المجال للولايات المتحدة الاستفادة من هذا الانهيار بدأ الآن يتحرك لحماية نفسه بحزام من الدول المجاورة تحمي عمقه من إمكانات الاختراق لمنظومته الجغرافية والسياسية والأمنية. فموسكو مثلاً اشتغلت كثيراً على تحسين علاقاتها مع الصين، كذلك حافظت على علاقاتها المميزة مع الهند ونجحت مراراً في تطويرها. وهي أيضاً لم تتردد في مد الجسور مع إيران وتطوير شبكة المصالح الثنائية التي تجمع بين البلدين. الا أن هذا التحرك السياسي ليس كافياً أو أنه على الأقل لا يفي بالحاجة بعد نجاح واشنطن في شن هجوم اكتسح عسكرياً أفغانستان والعراق ونجح في اقامة مجموعة اتفاقات أمنية مع دول آسيا الوسطى وجورجيا وتريد الآن مد نفوذها السياسي إلى اوكرانيا وتطويق موسكو في البحر الأسود. فالاتحاد الروسي لا يستطيع استكمال مهمته من دون فك الطوق وهذا لا يتم من دون تطوير العلاقات مع باكستان وتحسينها مع تركيا. هذا الشعور بالمخاطر الأمنية ربما يساعد على فهم معنى الزيارات والجولات التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين إلى الهند وتركيا، اضافة إلى دفاع موسكو عن حق طهران في بناء مفاعل نووي للطاقة السلمية.

جولة بوتين الأخيرة التي شملت نيودلهي وأنقرة هي بمثابة اشارات بعيدة المدى تعطي فكرة عن استعداد موسكو للمساهمة في بناء هذا الحزام من الدول الصديقة والمجاورة يضم الصين في اقصى الشرق والهند في وسطه وإيران وتركيا في غربه وجنوبه. المعركة ليست معركة حرّيات وديمقراطية وحقوق إنسان وانما هي تنطلق من قواعد المصلحة والصراع على المستقبل ومن هو الطرف الذي سيقود العالم في العقود المقبلة. وقيادة العالم لا تكتمل من دون ضمان الهيمنة على «اوراسيا». فمن يهيمن في هذا القطاع من العالم تسهل امامه السيطرة على الدوائر الأخرى. وهذا ما يمكن فهمه من حروب أميركا الأخيرة وكذلك بدايات الرد الروسي واتهام موسكو لواشنطن بـ «الدكتاتورية» العالمية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 823 - الإثنين 06 ديسمبر 2004م الموافق 23 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً