العدد 823 - الإثنين 06 ديسمبر 2004م الموافق 23 شوال 1425هـ

«الغرب الممزق»... «الباكس أميركانا» على طريقة بوش

«الغرب الممزق» هو عنوان آخر كتاب صدر للفيلسوف الألماني المعروف يورغين هابرماس. ويستهل المؤلف كتابه بالعبارة الآتية: لم يكن الإرهاب الدولي السبب الحقيقي في تمزق الغرب، بل يكمن السبب في سياسة الإدارة الأميركية الحالية، والتي تجاهلت القانون الدولي، وهمشت دور هيئة الأمم المتحدة، ولم تعر أهمية أو تقم وزنا للخلاف مع أوروبا. الكتاب عبارة عن مختارات من أبرز المقالات التي نشرها هابرماس حديثاً والحوارات التي أجريت معه. فكان محفزه على ذلك الحرب على العراق من جهة، وعقيدة «الأمن القومي» التي اتخذتها الولايات المتحدة كذريعة للضربات العسكرية الوقائية المنافية للقانون الدولي من جهة أخرى.

هابرماس الكاتب الدقيق في اختيار الألفاظ، والمنظر لمجتمع التواصل الديمقراطي، لم يخف ثورته وهو يرى أهم تقاليد المجتمع الأميركي مهددة. تلك التقاليد التي شكلت جذور حقبة التنوير السياسي في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، والتي غذت التيار البراغماتي والتوجه العالمي بعد العام 1945 من جديد. ويتحدث بانزعاج عن الاحباط الذي يشعر به كل الذين آمنوا بتلك التقاليد طوال حياتهم. وهابرماس يعتبر نفسه واحدا منهم.

في مقابل ما يعرف با (الباكس أميركانا) أو السلام الأميركي على طريقة جورج دبليو بوش والمنافي للشرعية الدولية، يعرض هابرماس تصوره لمشروع سياسة داخلية للعالم. أنه لا يقصد بذلك إنشاء حكومة موحدة لجميع الأمم أو بمعنى آخر دولة لكل العالم، وهو لا يتمنى ذلك ولا يعد واقعيا أصلا. انه يقترح بدلا من ذلك نموذجا متعدد المستويات يجعل مسألة سياسية عالمية داخلية من دون حكومة عالمية مسألة قابلة للتحقيق. ومن أجل ذلك يحتاج المرء إلى سياسيين لديهم القدرة على التفاوض وعلى إيجاد الحلول وتطبيقها على المستوى العالمي. ويعتبر هابرماس الاتحاد الأوروبي أول مثال على التوحد القاري بين دول ذات قوميات خاصة.

في حوارات مختلفة أجريت معه بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 تناول هابرماس الأسباب الحقيقية للتطرف والدور الأوروبي، كما حلل شروط الحرب والسلم. حمل المقال الرئيسي في كتاب هابرماس عنوانا ضخما إلى حد ما هو: مشروع كانط والغرب الممزق. يقع الكتاب في 80 صفحة ينشر لأول مرة وفيه يحاول المؤلف الإجابة على السؤال الآتي: هل مازالت هناك رصة لوضع دستور للقانون الدولي؟ وفي تعليل وجهات نظره ذات الأبعاد الفلسفية وفي إطار القانون العام والقانون الدولي، اعتمد هابرماس على إعادة صوغ اطروحات الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط والتي ضمنها مؤلفه (من أجل السلام الدائم) اذ يقدم تصورا لنظام عالمي قائم على عالمية المواطنة. كما اشتغل هابرماس على مسودة (المجال الواسع للقانون الدولي) التي تبنتها النازية واستغلتها، لكي يصل إلى رفضها. ذلك أن نظام المجال الواسع للقانون الدولي ينص في العمق على أحقية الدول الإمبريالية في استعمال القوة للحفاظ على مصالحها، اذ لا دور للعدالة وللوعي الدولي بالقانون، إن نظام قانون دولي من هذا النوع يخضع لعلاقات القوى، ويتيح للأقوى فرض نفسه.

إن الاعتقاد بأن المجتمع الدولي يمكن أن يعيش في سلام وفق قيم غربية يعتبر بالنسبة للكثيرين من المثقفين ضربا من الوهم. في هذا السياق يذكر هابرماس كتاب صموئيل هنتنغتون (صدام الحضارات) الذي يتبنى رأيا متشائما يستبعد إمكان الحوار بين الثقافات المختلفة على أساس قيم الغرب.

ويستحسن هابرماس وضع مشروع نظرية عصرية لمجال أوسع كبديل غير مشكوك في صدقيته للنظام العالمي أحادي القطب للرأسمالية المتغطرسة. ومجردا من طريقة التعبير الأكاديمية قال هابرماس: بدلا من رأسمالية يتزعمها الغرب، وعالم تقوده أميركا سيكون خيار عالم من المناطق والثقافات المختلفة مسألة أقل شرا. وختاما، تبقى نظرية كانط بخصوص نظام عالمي قائم على عالمية المواطنة، صالحة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً