السياسة الخارجية البحرينية - كما ذكرنا سابقاً - بإمكانها أن تحقق المزيد من المكتسبات للوطن، وتحافظ في الوقت نفسه على علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية بما يضمن حماية مصالح الجميع. كما أن نظريات كثيرة في مجال السياسة الخارجية وعلم الجيوبوليتك تؤكد قدرة الدول الصغيرة (Mini States) على القيام بأدوار على المستوى الدولي، وخصوصاً إذا كانت هذه الدول عبارة عن جزيرة أو أرخبيل من الجزر بحسب التعبيرات الجغرافية.
ويمكن ملاحظة ذلك منذ العام 2002 عندما أثبتت البلاد إمكاناتها في القيام بدور ملموس على الساحة الدولية بشراكتها مع إحدى القوى الكبرى سياسياً والعظمى اقتصادياً وهي اليابان. جاء ذلك بإطلاق مبادرة الحوار الإسلامي - الياباني التي اقترحها وزير خارجية اليابان السابق يوهي كونو خلال زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة لطوكيو خلال فبراير/ شباط 2001. وتمخض عن هذه المبادرة إقامة أول ملتقى للحوار بين العالم الإسلامي واليابان في مملكة البحرين خلال الفترة من 12 - 13 مارس/ آذار من العام 2002، أعقبه إقامة الملتقى الثاني للحوار في العاصمة اليابانية طوكيو نهاية العام 2003. وجاءت استضافة العاصمة الإيرانية طهران فعاليات الملتقى الثالث قبل أيام قليلة لتؤكد إمكان أن تقوم السياسة الخارجية البحرينية بدور على المستوى الدولي.
والدور المقصود هنا ليس القيام بوساطات دولية أو إقليمية فهذه أداة أخرى من أدوات السياسة الخارجية لها اعتباراتها الخاصة، ولكن المقصود هو التداخل بين الجهود الرسمية وغير الرسمية من أجل تحقيق أهداف معينة. فالحوار الإسلامي - الياباني أقيم من أجل تعميق الفهم وتشجيع التعاون المتبادل بين بلدان العالم الإسلامي واليابان من خلال قيام الجهات الرسمية بتنظيم ملتقيات سنوية يشارك فيها باحثون مستقلون يناقشون قضية معينة ويبدون مرئياتهم بشأنها، ويبحثون كيفية التنسيق والتعاون بشأن هذه القضية، وتطوير العلاقات بين البلدان الإسلامية واليابان من ناحية ثانية.
وعلى رغم أن فكرة الحوار الإسلامي ـ الياباني مازالت في عامها الثالث فإنها بحاجة إلى الكثير من الوقفات، ففي الوقت الذي تدافعت فيه الكثير من البلدان لإقامة شراكة وحوار مع الولايات المتحدة أو أوروبا أو غيرها من القوى الدولية فإن هناك تجربة تنموية رائدة على مستوى العالم ينبغي الالتفات لها، والنظر فيها بتمعن، ولا يمكن القبول بإقامة حوار معها فحسب، وإنما يجب السعي نحوها لإقامة شراكة تنموية تقوم على نقل ثقافة الصناعة والتنمية والعمل منها، بدلاً من القبول بعلاقاتنا مع الغرب التي لم نستفد منها كثيراً، واستطعنا من خلالها أن ننقل ثقافة الاستهلاك والاستيراد، ما جعلنا نقبع تحت ركب التخلف.
هذا الحوار أطلق من أجل أن يستمر، ويجب أن تركز السياسة الخارجية البحرينية عليه وتسعى إلى تطويره باستمرار. وقيام مركز البحرين للدراسات والبحوث بمهمات التنسيق مهم، ولكنه بحاجة إلى المزيد من الدعم والتطوير مستقبلاً، وقد تكون من أفضل المقترحات التي طرحت في الملتقى الثالث في طهران هي إقامة سكرتارية عامة دائمة مقرها المركز لتقوم هذه السكرتارية بالتنسيق لفعاليات كثيرة في إطار تعزيز التعاون والتفاهم بين دول العالم الإسلامي واليابان
العدد 821 - السبت 04 ديسمبر 2004م الموافق 21 شوال 1425هـ