بادرة حسنة كتلك التي قامت بها الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة أخيراً لابد لها من وقفة إشادة. كنا نحتاج حقا ان نتعرف عن قرب على حقائق مذهلة كالتي أثيرت في مؤتمر «الاعلام والطفل»، فالمرحلة التي يمر بها الاعلام العربي خطيرة جدا على جميع الاصعدة وخصوصا ما يرتبط منها بتنشئة الطفل وثقافته. لقد أصبحت الشاشة اليوم هي التي تحدد ملامح شخصية الطفل وهي التي تصوغ عقليته وتصرفاته بعيداً عن إرادة الوالدين فضلاً عن عدم متابعتهما ومراقبتهما لسلوك طفلهما وما يقوم به خلال يومه من ممارسات.
المؤتمر خطوة (ضمن الخطوات الأولى) على الطريق الصحيح، وهذا ما كنا نترقبه منذ أمد بعيد في ظل الانحسار الإعلامي وهشاشة ما يبث من برامج خاوية من أية مضامين سوى تلك المبطنة بحقن الافكار الغربية التي يطعم بها اطفالنا في كل فيلم كارتوني مستورد او برنامج يحمل قيماً وعادات أجنبية. كنا ومازلنا نبحث عن مثل هذه الخطوات (النوعية) بعيداً عن تصريحات بعض المسئولين (اللامسئولة) عن حجم الأخطار المحدقة بأطفالنا والتي تهدد المجتمع في براعمه وتفتك به في تمييع زهوره اليانعة فكرياً وجعلها ذابلة الأخلاق ذاوية المبادئ.
قد لا تمثل هذه المؤتمرات حلاً جذرياً لهذه المشكلة المؤرقة فعلاً مادامت في طور التنظير ولكنني أكاد اتيقن انها تؤسس بعمقها وجرأتها هذه للحلول المرجوة. فما طرح في المؤتمر الأخير «الإعلام والطفل: رؤية مستقبلية» كشف وأكد ما نعرفه وما لا نعرفه عن مساوئ الاعلام التي (نتغافل) عنها، كما يجهلها البعض ويتجاهلها الكثيرون من أولياء الأمور بنسبة هائلة جدا، وخصوصا على المستوى البحريني.
حقائق دامغة!
ما يطمئن النفس بعض الشيء مشاركة بعض الشخصيات الرسمية التي بيدها زمام الأمور الاعلامية في فعاليات المؤتمر، وبالتالي فإن الحجة ستكون أبلغ أثراً، والأجمل في ذلك هو إصرار وكيل الاعلام محمود المحمود ،الذي أدار جلسة المؤتمر الأولى، على ان تكون الاوراق المقدمة «أكثر عملية في ظل الواقع المعاش في هذا الشأن» لا أن تكون «بحثية نظرية». وقوله ان: «الأوراق بحاجة الى مناقشة مستفيضة أكثر، وليست بعيدة عن الواقع البحريني». وهذا ما لمسنا أثره في اليوم الثاني للمؤتمر من خلال الأوراق التي كانت أكثر التصاقاً بما نعانيه من واقع.
إن ما أثارته (مثلاً) أستاذة الاعلام في جامعة البحرين سامية رزق من معلومات تشير الى ارتفاع معدلات تعرّض الاطفال عموماً لأفلام العنف الأجنبية بنسبة بلغت 93 في المئة لهو حقيق بالانتباه فعلاً لأخذ الحيطة والحذر. وجديرة بالاهتمام دعوتها الى فرض رقابة مشددة على المضامين الدرامية الاجنبية قبل تقديمها للجماهير، وكذلك دعوتها الى تشجيع الكتاب والمؤلفين والفنانين البحرينيين لانتاج بدائل للدراما الأجنبية، وتحفيز النتاج العربي المشترك لتقديم البديل الدرامي.
وهنا لابد من وقفة متأنية عند ما ذكره مساعد الأمين العام للدراسات العلمية في مركز البحرين للدراسات والبحوث عبدالرحمن مصيقر من حقائق (دامغة) وأرقام مثيرة من خلال دراسته التي تناولت «تأثير التلفزيون على تنمية الحس الاستهلاكي عند الأطفال البحرينيين»، إذ أشار الى ان 45 في المئة من الاطفال يقلدون قصات وتسريحات الشعر التي يشاهدونها لدى بعض الممثلين او المغنين في التلفزيون، والى ان 54 في المئة يقلدون الملابس، و 48 في المئة يقلدون الاكسسوارات، كما أشار الى ان أغاني الفيديو كليب تأخذ 42 في المئة من اهتمام الاطفال البحرينيين (يا سلام)، بالاضافة الى 89 في المئة لأفلام الكارتون و 64 في المئة للمسلسلات الخليجية (ذات الطابع البكائي ومشاهد العنف)، كما أجمع المؤتمرون على ان الطفل العربي أصبح يتبنى مفاهيم اعلامية من الواقع السياسي الغربي!
هل نعلم ماذا تعني هذه النتائج؟ وهل نتوجس خيفة من أثرها على المديين القريب والبعيد أم ماذا؟ إذا كان الآباء وأولياء الأمور (المستغفِلين والمستغفَلين) سيجيبون بالنفي فإن المسئولين في المملكة والقائمين على الشأن التربوي ومن بيدهم «عقدة» الاعلام قد أزيحت عن ذرائع غفلتهم الحجة، خصوصاً بعد ما انتهى اليه المؤتمر من تحليلات ونتائج باتت جلية، وتوصيات (قيّمة) لجميع المؤسسات الرسمية والأهلية التي تمُت بأية صلة للشأن الإعلامي المختص بالطفل. ونقول هنا الى جميع من وصلتهم التوصيات: «هذا الميدان يحميدان»... فلا داعي بعد الآن لأن تزيغ الأبصار وتصم الآذان وتولى الأدبار عما يدور في فلك الاعلام وما يحاك من مؤامرات خبيثة تستهدف المجتمع في أطفاله الذين لا يفقهون مغزى ما تقدمه الشاشة من (إعلام) و(إعلان)، لقد آن للمسئولين ان يتنفسوا غيرة وتحفظا على قيم الدين والمجتمع، وحان لهم موعد الخروج من عنق التعامي الحاصل للنظر في واقع الطفل الذي باتت وسائل الاعلام تبتز براءته.
لا أتصور هنا ان الأمر يحتاج الى أمر رسمي من سلطات عليا لتنفيذ بعض توصيات المؤتمر التي تسعى لحماية اطفال البحرين بالدرجة الاولى، كما انكم لستم بحاجة الى موازنة ضخمة جديدة تتذرعون بها لتجميد تلك التوصيات. فكل ما في الامر هو توجيه تلك الاموال التي تبذر على منابع مستوردة مجهولة الابعاد الى موارد محلية نقية هادفة في برامجها وافلام كارتونها. وذلك ليس بالامر الصعب لمن أراد الى النجاح سبيلا
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 819 - الخميس 02 ديسمبر 2004م الموافق 19 شوال 1425هـ