بينما يجرى التحضير في برلين وواشنطن لزيارة يقوم بها المستشار الألماني غيرهارد شرودر لواشنطن خلال شهر يناير/ كانون الثاني المقبل، يحدق توتر جديد بالعلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة. فقد قررت منظمة أميركية تدافع عن حقوق الإنسان تطلق على نفسها اسم «مركز الحقوق الدستورية» رفع دعوى ضد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد وتسعة آخرين من المسئولين في إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أبرزهم المدير السابق لـ «السي آي إيه»، جورج تينيت والجنرال ريكاردو سانشيز. والتهمة التي وجهتها المنظمة الأميركية إلى المسئولين الأميركيين هي ارتكاب جرائم حرب ومخالفة القوانين الدولية وانتهاك حقوق الشعوب.
وتستند الدعوى التي سلمتها المنظمة إلى المدعي العام الفيدرالي كاي نيهم وتقع في 160 صفحة على ممارسات تعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب بالعراق كما تمثل المنظمة مصالح المعتقلين في سجن الاعتقال الذي أقامته الولايات المتحدة على أرض غوانتنامو في جزيرة كوبا. وصرح رئيس المنظمة المحامي الأميركي مايكل راتنر بأن المنظمة قررت اللجوء إلى القضاء الألماني بعد أن فقدت الأمل بوجود مسعى مخلص لدى واشنطن لمعاقبة المسئولين عن ممارسات التعذيب التي حصلت داخل سجن أبوغريب. إذ على رغم ظهور تقارير مؤكدة أفادت أن تعذيب المعتقلين العراقيين تم بإيعاز من مسئولين كبار في الإدارة الأميركية بشكل مباشر أو غير مباشر إلا أن قيادة الجيش الأميركي تصر على أن هذه الممارسات تمت من قبل عدد من الجنود الساديين وبصورة منفردة. لكن منظمة حقوق الإنسان الأميركية تتحدث عن نظام لتعذيب المعتقلين تم العمل به في أبو غريب مثلما تم العمل به في غوانتنامو ولذلك فإنها تجد أن الضرورة تدعو لمقاضاة المسئولين الأميركيين الذين ثبت تورطهم في ما وصفته بجرائم الحرب. وأضاف راتنر قوله: «يواجه القانون الدولي تحدياً خطيراً لأن أقوى دول العالم تحاول ضمان حقوق استثنائية لنفسها وإذا لم يجر التصدي لهذا الخرق الفاضح للقانون الدولي وحقوق الإنسان فإن العالم مهدد بالعودة إلى عصر شريعة الغاب».
يستعين الحقوقيون الأميركيون في دعواهم بالقضاء الألماني الذي يدعو إلى معاقبة مرتكبي جرائم الحرب بغض النظر ما إذا وقعت على أرض ألمانية أو ضلوع شخص ألماني بها. وكذلك لأن المدعي العام الفيدرالي في ألمانيا مسئول عن التحقيق في جرائم الحرب أينما وقعت في العالم وكون بعض الذين قاموا بعمليات التعذيب من الجنود الأميركيين كانوا يتمركزون في ألمانيا.
وقال نائب رئيس منظمة مركز الحقوق الدستورية بيتر فايس: «إن القانون الألماني يعتبر من القوانين القيادية في العالم في هذا المجال». وأضاف «ان القضاء الأميركي فشل عمدا أو غير ذلك في معاقبة المسئولين عن الجرائم التي وقعت في سجن أبو غريب ولأن واشنطن لا تعترف بمحكمة العقاب الدولية في لاهاي/هولندا، فقد تم اتخاذ قرار رفع دعوى ضد عدد من المسئولين في الإدارة الأميركية في ألمانيا علامة على فقدان الثقة بالقوانين الأميركية».
وقال زميله فولفغانغ كاليك وهو محام برليني نشط في الدفاع عن حقوق الإنسان: «لسنا منظمة من المجانين». للدلالة على أهمية النشاط الذي تقوم به منظمة مركز الحقوق الدستورية أشار كاليك إلى النجاح الذي حققته في الولايات المتحدة خلال الصيف الماضي. فقد استجابت المحكمة العليا لطلب المنظمة بأن يجرى السماح لمعتقلي غوانتنامو رفع دعاوى لدى محاكم أميركية ضد مواصلة احتجازهم. وقال كاليك انه يأمل أن يأخذ المدعي العام الفيدرالي هذه الدعوى على محمل الجد وينصرف إلى التحقيق في نقاط الاتهام للتأكد من صحتها.
غير أن النتائج السياسية لهذه الخطوة ستكون عصيبة وخصوصاً في المرحلة الحالية، إذ تسعى برلين لرأب الصدع مع واشنطن بعد القطيعة التي نشأت بين شرودر وبوش بسبب معارضة الأول حرب العراق. لذلك تتحفظ برلين على الخطوة التي قامت بها المنظمة الأميركية بداعي أن القضاء في ألمانيا مستقل عن السياسة. القضية مستمرة
العدد 819 - الخميس 02 ديسمبر 2004م الموافق 19 شوال 1425هـ