لا يكفي رفع الشعارات الكبيرة عن الوحدة، إذا كان الواقع المعاش يعكس الانقسام الحاد في المجتمع. ترديد الشعار مهما كان مبدئياً وحماسياً وجميلاً، لا يكفي إن لم تتخذ خطوات ملموسة على الأرض تترجم تلك المبادئ السامية. والجمهور في البحرين اليوم لا يخفي خيبة أمله في الكثير من النواب، الذين أساءوا إلى أنفسهم وإلى تجربة البرلمان الجديد بمشاداتهم «الطائفية»، وخصوصاً مع عدم تقديم ما يلمسه المواطن على الأرض من ثمار المرحلة مادياً، بما ينعكس على مستواه المعيشي ووضعه الاقتصادي، وحتى الفتات الموعود في صورة «عيدية» لم تسفر الأيام عن ولادته حتى أصبح هشيماً تذروه الرياح الكواذب.
في ظلّ هذا الوضع الراكد المتراجع، تبرز لنا تجربة «وحدوية» جميلة، تتبناها مؤسسات المجتمع المدني مرة أخرى، وتتمثل في الزواج الجماعي السادس لمسجد الفردان، الذي ينظّمه صندوق مدينة حمد للعمل الخيري، بالتعاون مع جمعية التضامن الاسلامية (تحت التأسيس)، إذ يشارك في هذا الزواج المبارك 292 من شباب وشابات البحرين، من مختلف المدن والقرى والمناطق و«الطوائف»، لعله أكبر زواج جماعي في البحرين هذا العام. وكالعادة، هؤلاء العاملون لا يثيرون الكثير من اللغط والغبار بشأن مشروعاتهم، ولا يتصلون بالصحافة ليل مساء لنشر بياناتهم وتصريحاتهم، ولا يمنّون على أحدٍ بما يبذلونه من جهدٍ «عظيم» (لقاء 3 آلاف دينار وسيارة وبدل مكتب!)، في درسٍ بليغٍ للمزايدين الذين يقومون بشيء ثم يعيّرون الآخرين به حين ترتفع درجة حرارتهم أو يثيرون الزوابع بين الناس.
درسٌ آخر تقدمه مؤسسات المجتمع المدني الحيّ في هذا البلد، مفاده ان الوحدة لا تقوم بالشعارات، ولا بالتمنيات، وإنما بالخطوات التدريجية وإن كانت متواضعة، فهي بداية مشجعة جداً، وبشارة خير لهذا الوطن الذي يعمّر فيه قومٌ في صمت، ما يدمّره آخرون أثناء فترات الهياج والعصبية والاستنفار الطائفي على مستوى الوطن كله.
وللإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، ليست هذه الفعالية الأولى من نوعها، وانما سبقتها خطوات أخرى على هذا الدرب المبارك، في مسجد الفردان نفسه بمدينة حمد، وفي مدينة عيسى أيضاً، وهما مدينتان حديثتان مختلطتان، ما يثبت أن هذا الشعب بوعيه وحسه وفطرته، قادر على تجاوز كل الأزمات المفتعلة، والقفز على المطبات التي يحفرها له بعض ذوي الرفاه المستحدث
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 819 - الخميس 02 ديسمبر 2004م الموافق 19 شوال 1425هـ