منذ أن حل الاحتلال الأميركي بالعراق، كانت أرض الرافدين موعودة بانتخابات حرة ونزيهة تحت مظلة الأمم المتحدة. غير أن الأمور لم تَسِر كما ينبغي، فقد أخذت المقاومة تشتد من خلال ثورتين على الأقل تلك التي انطلقت من النجف الاشرف والأخرى كان مركزها الفلوجة. وانبرى الاحتلال لقمعهما بتدمير المدينتين ومدن أخرى. إلا أن أكبر خطأ سياسي أُرتُكب بحق الشعب العراق هو تعيين «مجلس الحكم» من قبل أميركا إذ جاءت على شاكلته حكومة اياد علاوي المتعطشة للدماء.
ومع ضغط المقاومة بشقيها الوطنية والإرهابية سارعت أميركا الخطى نحو تنظيم انتخابات على أنقاض المدن المدمرة وأوحت بتنظيم مؤتمر مشئوم جامع في شرم الشيخ تجاوز كل الآلام الداخلية العراقية وذلك باعتماد الموعد المقرر للانتخابات في 30 يناير/ كانون الثاني. ولكن الآن وقبل شهرين فقط من الموعد لا يوجد أي جو صحي لقيام مثل هذا الحدث.
وعلى رغم أن هناك سبعة عشر حزباً وقَّعت على طلب بتأجيل الانتخابات بموافقة حتى حزب علاوي إلا أن إصرار بوش على تنفيذ أجندته بعيداً عن المصلحة الوطنية العراقية حال دون الأخذ بالطلب.
لذلك ستأتي الانتخابات كأجراء روتيني أقرب إلى تعيين المنتخبين منها إلى انتخابهم من قبل الشعب، ويراد للأمم المتحدة أن تبارك المسعى وتضفي عليه الشرعية. هذه الطريقة هي ذاتها التي تم بها تشكيل مجلس الحكم وتكوين المؤتمر الوطني العراقي وهي التي ستستخدم في تعيين أعضاء البرلمان المقبل.
إن الذين يساعدون على قيام الانتخابات في هذا الظرف الاستثنائي سيرتكبون خطأً جسيماً بحق المواطن المشغول بلملمة شتات أسرته وحطام موطنه المدمر، وتسيطر عليه هواجس الأمن إذ إنه يخشى أن يذهب إلى صناديق الاقتراع فيهاجمه مسلحون مجهولون لا يفرقون بينه وبين المحتل. لذلك إذا لم تهيأ له البيئة المعافاة من أجل مشاركة حقيقية فإن الانتخابات المرتقبة لن تغير في وضعية الاحتلال شيئاً
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 819 - الخميس 02 ديسمبر 2004م الموافق 19 شوال 1425هـ