العدد 818 - الأربعاء 01 ديسمبر 2004م الموافق 18 شوال 1425هـ

الفصل بين الجنسين في الجامعة فكرة نبيلة!

في دولة عربية يتضمن امتحان قياس المستوى للقبول في كلية الطب سؤالاً بشأن حكم المسح على الجوارب عند الوضوء للصلاة! كيف لنا أن نتصور فشل طالب متفوق في المواد العلمية المتعلقة بدراسته في الدخول إلى كلية الطب بسبب فشله في الإجابة على أسئلة لا علاقة بها البتة بدراسته.

كيف لنا أن نتصور أن أستاذاً محترماً في كلية علمية، الدراسة فيها لها علاقة بحياة الإنسان لا تتمكن طالباته من الذهاب إليه في مكتبه لمناقشته في المادة العلمية التي يقوم بتدريسها لهن! أو كيف لا يتمكن الطلبة من الذهاب إلى الاستاذة في مكتبها لمناقشتها في المادة العلمية التي تقوم بتدريسها لهم؟

نوابنا الأفاضل بعد أن انتهوا من تحقيق الإنجازات الباهرة وقضوا على مكامن الفساد وحاسبوا المفسدين وسارقي المال العام واستطاعوا سن القوانين البديلة للقوانين الظالمة التي سنّت أثناء فترة غياب السلطة التشريعية حوالي ثلاثة عقود، بل وبعد أن استطاعوا إجراء التعديلات الدستورية التي هي محط آمالنا... بعد أن نجحوا في تحقيق كل تلك الإنجازات العظيمة تفرّغوا الآن لمناقشة مشروعات مثل إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعيدية، ولم ينسوا أنفسهم، فأمامهم مشروع تقاعد النواب بعد انتهاء دورتهم الانتخابية... القائمة طويلة وآخرها مشروع الفصل بين الجنسين في الجامعة المقدم من النائب المحصور دوره في حدٍ بعيدٍ في تقديم مثل هذه المشروعات... نوابنا الأفاضل المؤيدون للمقترح يقولون: «إن أية كلف إضافية يحتاجها المقترح سيتم رفدها في الموازنة المقبلة، إن موضوع الفصل بين الجنسين في الجامعة فكرة نبيلة وأن موضوع الستة ملايين دينار لو وفّرتها الحكومة، فإن موضوع الإشكال سيتم حله».

إن التفكير الأحادي الذي ينظر للأمور من خرم إبرة، لن يتوقف عند هذا الحد، فمشروعات الفصل لن تتوقف عند حدود الجامعة، بل إن الأمر سيطال أماكن العمل في الوزارات والمؤسسات الخاصة وهذا يعني طرد الاستثمارات، فسيطالبون بأسواق خاصة للنساء وأسواق للرجال، بل ربما سيصل بهم الأمر إلى تخصيص شوارع خاصة للنساء... وسيمنعون الاستاذ من تدريس الفتيات، وسيطالبون بأحزاب سياسية خاصة بالمرأة وببرلمان نسوي، فكيف يشرّعون لمنع الاختلاط في الجامعة ويوافقون عليه في الأحزاب السياسية وفي البرلمان؟!

أعتقد أنه في نهاية المطاف هذا ما يريده أصحاب مقترح الفصل بل وأكثر من ذلك. ولا نبالغ إذا قلنا إن أصحاب هذه المقترحات هم جزء من الفكر العام لمثل هذه الاتجاهات، دخلوا البرلمان لدرء مفسدة كبرى بمفسدة صغرى.

وأخيراً دخل على الخط معهم نوابنا البلديون، فبعد أن انتهى البلديون من معالجة كل المشكلات المتعلقة بالخدمات البلدية التي هي من صلب مهماتهم، بعد أن انتهى البلديون في المجلس البلدي لمحافظة المحرق من خلافاتهم وصراعاتهم التي أخذت مناحي شخصية لا علاقة لها بمصالح المواطنين، بعد كل ذلك بدأوا في منافسة أعضاء المجلس النيابي، وتفتقت عبقرية البعض منهم باقتراح مناقشة منع الدمى العارية بمحلات الملابس النسائية! إن الأسباب التي أبداها عضو المجلس البلدي صاحب هذا المشروع قد تنتهي إلى منع ظهور النساء في كل وسائل الإعلام من تلفاز وصحافة بحجة أنهن يثرن الغريزة الجنسية لدى الرجال.

يجب أن نفهم أن الغريزة الجنسية لدى الرجل والمرأة هي ظاهرة طبيعية ونعمة منحها الخالق للإنسان، وعلى الإنسان أن يعرف كيف يرشّد هذه النعمة وكيف يستخدمها. إن مثل هذه المقترحات لا يمكن أن تصل بنا إلا إلى جعل المرأة حبيسة المنزل لا تخرج منه إلا عند انتقالها من منزل أبيها إلى منزل زوجها، والثانية عند حملها على النعش لدفنها بعد وفاتها.

إن التربية الصحيحة والثقة بالنفس هي الحجاب الحقيقي وليس الفصل بين الجنسين في الجامعة والأماكن العامة. دول شقيقة تورطت مع مثل هذا الفكر ويحاولون بصعوبة الآن إجراء بعض الإصلاح، ولكن التفاؤل ضئيل لأنه فكر وتربية امتدت لعقود من السنين.

بعد أن فرغ نوابنا الأفاضل من مشروع الفصل بين الجنسين، هم الآن في طريقهم لإقرار نماذج أخرى من قانون أمن الدولة المقبور، في طريقهم لإقرار قانون للجمعيات السياسية ربما هو أسوأ من قانون الجمعيات الحالي. تحية لنوابنا المستنيرين الذين يحاولون وكان الله في عونهم!

رأفةً بنا أيها النواب الأفاضل، تفرّغوا لعملكم الحقيقي في مقاومة الفساد وسن التشريعات التي تحافظ على حقوقنا، تشريعات توصلنا إلى المملكة الدستورية وحكم القانون

العدد 818 - الأربعاء 01 ديسمبر 2004م الموافق 18 شوال 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً