تلعب الصحافة دوراً محوريًّا في تنمية الحياة العامة لكل المجتمعات المتطورة، وهو الدور ذاته الذي نستهدفه منذ تأسيس «الوسط» في 2002. ولكي تلعب الصحافة دورها فإنها يجب أن تحظى بمساحة من الحرية الملتزمة بمسئولياتها الوطنية.
وحالياً، فإن الصحف المحلية في كثير من الدول هي عبارة عن «نشرات علاقات عامة» صادرة عن وزارات الإعلام وعن الهيئات الرسمية والتجارية، بحيث يندر أن تقرأ انتقاداً لأي من الجهات المتنفذة، حتى لو كان ذلك من بعد. وعليه فإن مهنة الصحافة في ظل الدكتاتورية سهلة جداً، وما على الصحافي إلا انتظار جهاز الفاكس أو البريد الالكتروني، لكي يقوم بتحويل المواد إلى الانتاج وملء الصفحات.
يختلف الوضع كثيراً في الأجواء الديمقراطية، إذ يجب على الصحف أن تقدم إلى القارئ وجهة نظر مستقلة وجريئة تنقل وجهات النظر المختلفة. ولهذا السبب فإن جميع الدول المتطورة تذكر في تاريخها كيف انتقلت إلى الأجواء المتحررة، وكيف استطاع المبدئيون مقاومة تيارات قمع الكلمة الحرة والمستقلة والإصرار على احترام القارئ وتقديم المعلومة والآراء بضمير حي ومستعد للتضحية من أجل الاستمرار في قول الحق.
إن كل مبدئي يسعى أساساً إلى مقاومة أية محاولة لتقييد التغطيات الخبرية، ولاسيما السياسية والاجتماعية منها، لأن من حق الشعب أن يعلم بما يدور حوله، لكي يستطيع تسيير شئونه على بصيرة من أمره. وفي حوارات بين مؤسسي الولايات المتحدة الأميركية، كان أحدهم، توماس جيفرسون، يصر على ترديد أن الصحافة الحرة هي الضامن الأفضل للحرية، «فالحرية لا يضمنها المستعبدون»، وكان يطالب دائماً بتحمل الصحافة وما تقول بهدف إلقاء الضوء على النشاطات الحكومية وموازنتها بالرأي العام.
هذا لا يعني أن الصحافة في هذا البلد أو ذاك ليست مقيدة بضوابط وقوانين وأعراف، وإنما هناك حال متوازنة، بحيث لا تتمكن سلطة من الفتك بسلطة أخرى، فتوازن السلطات أساس النظام الديمقراطي.
الدولة لديها وسائل كثيرة للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذه السلطات لديها خدمة مدنية (موظفو الوزارات والهيئات العامة)، وخدمة عسكرية (الجيش والحرس الوطني)، وخدمة شبه عسكرية (الشرطة وكل ما يتبع وزارة الداخلية)، وخدمة سرية (المخابرات بكل فروعها)، وهذه بصورة مجتمعة تمثل ذراعاً طولى لمن يمسك بزمامها. وعلى هذا الأساس، فإن الدول الديمقراطية توجب إخضاع هذه السلطات للانتخاب وتفرض عليها ضوابط تمنعها من الاستبداد.
في مقابل الدولة، فإن المجتمع لديه مؤسسات أهلية (المجتمع المدني)، وهذه المؤسسات تنشط وتنمو في أجواء الحرية السياسية وتختفي أو تتحول إلى حركات سرية في الأجواء الدكتاتورية. ولذلك فإن هناك دعوات مستمرة إلى عدم قمع الجمعيات الأهلية والتجمعات السلمية، لأن قمعها من خلال قانون ما هو إلا المقدمة الأولى للدكتاتورية.
الجانب الاقتصادي من المعادلة مهم جداً، والعالم يتجه نحو اقتصاد السوق القائم على المنافسة الشريفة والتجارة الحرة والشفافية والحد من الفساد ومنع تدخل الدولة أو أفراد السلطات النافذة في منافسة أصحاب الأعمال والشركات الذين لا ينمون إلا مع الثقة في النظام، والثقة تتطلب العدالة في تطبيق النظام من دون فساد.
الصحافة المستقلة تتوسط الجميع، تتوسط الدولة والمجتمع والسوق، وإذا انحازت إلى الدولة ضد المجتمع فإنها تتحول إلى وسيلة قمعية ودكتاتورية، وإذا انحازت - من دون حدود - إلى المجتمع ضد الدولة فإنها تتحول إلى نشرات ثورية. أما إذا انحازت إلى السوق، فإنها تتحول إلى نشرة دعايات وعلاقات عامة تتحدث بلسان من يريد تسويق منتجاته وخدماته حتى لو كان ذلك مضراً بالمجتمع.
الصحافة المستقلة مسئولية عظيمة تشرفت بها مؤسسة مثل «الوسط» التي تحرص على الموازنة ما بين كل الأطراف، وهمها الأول والأخير مساندة مشروع الإصلاح والدفاع عن الحريات العامة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 817 - الثلثاء 30 نوفمبر 2004م الموافق 17 شوال 1425هـ